قصص أمهات
نعم يا أمي.. لقد حان الوقت لكي نفهم
لم تكن المرة الأولى التي أراها ممددة على السرير مريضة كانت أم حزينة، كنت أراها كثيراً في هذه الهيئة تعبة لا تستطيع الحراك تسند رأسها على حافة السرير وتصمت لفترات طويلة مطأطئة رأسها أحياناً كثيرة ... كان هذا الأمر يضايقني كثيراً لأنني كنت أشعر بضعفها وحزنها وكنت أتذمر منها في كثير من الأحيان...
ولكن في هذا المكان كانت ممددة في سرير ليس بسريرها وطأطأة رأسها كانت من نوع آخر مختلف تماماً عما كنت أراه وأتذمر منه في السابق.... كانت الأضواء في هذا المكان ليست هي نفس تلك الأضواء التي كنت أعيشها... ففي هذه الغرفة غرفة المستشفى كانت الإنارة تجعل من ملامحها أكثر وضوحاً وخطوط وتعب الزمن ظاهرة على جبينها وتحت عينيها... ذكرتني تلك الملامح عندما كانت كثيراً ما تقول لنا "رح يجي يوم تفهموا شو يعني معنى أم" وجاء اليوم يا أمي... فقد حان الوقت أن نفهم...
نعم يا أمي حان الوقت أن نفهم معنى قوتك وما وراء تضحياتك ومعاناتك وصمودك! حان الوقت أن نفهم عندما كنت تطلبين منا أن ندهن ظهرك في آخر اليوم لأنك تشعرين بألم في ظهرك من الوقوف في المطبخ... حان الوقت أن نفهم عندما كنت تطلبين منا أن نحضر لك كاس ماء وأنت في الفراش مستنزفة ممددة من التعب بعد نهار طويل ونحن بكل استهتار نتذمر... حان الوقت أن نفهم تلك المشاعر المختلطة الممزوجة بخيبات الأمل والإحباط والحب... حان الوقت أن نفهم ونتفهم عصبيتك ومزاجك المتقلب لأنه وبكل بساطة هرمونات جسمك تغيرت ولكن نظام يومك وواجباتك اليومية لم تتغير، لا بل زادت وتضاعفت...
حان الوقت أن نفهم تلك النظرات التي كنت تنظرين فيها إلينا لنفهم بأنك تشعرين بضعف أو حزن أو خيبة أمل... ولكننا كنا نتذمر ونصدر عليك الأحكام...
لم نكن نفهم يا أمي أو بالأصح كنا لا نفهم لأننا وبكل بساطة واستهتار لم نكن نرغب بأن نفهم "إجا اليوم يا ماما إجا اليوم يا حبيبتي لأنه... جاء دوري"
جاء دوري يا أمي لأكون أماً وزوجة لأتحمل مسؤولية بيتي وأولادي... جاء دوري لأكون ربة بيت وزوجة بكل التحديات... جاء دوري ليفهم أولادي وزوجي مشاعري وقراراتي وعصبيتي ومعاناتي دون إصدار أحكامٍ على مزاجي أو حتى خياراتي... جاء دوري وسيأتي دور غيري فالحياة دائرة لا تنتهي...
عندما أنظر إليك الآن يا أمي وأنت تعيشين في بحر النسيان لأسألك عن اسمي أو أسماء أولادي وأنت تحدقين فينا طويلاً قبل أن تجيبي: "ما بعرف" أحزن... ليس حزناً عليكِ بل أنا اعتبرك محظوظة لأنك نسيت كل معاناتك وبدأت صفحة جديدة ولكن أحزن لأنني لم أفهم... عندما أنظر إلى ملامحك الآن أرى قوتك وصبرك رغم أنني كنت أراك في السابق ضعيفة مستسلمة...
الآن أراكِ مضحية وكنت اعتقد أنك أنانية... أراكِ صامدة وكنت اعتقد أنك نكدة ولكن الآن فهمت... سامحيني يا ماما لأنني لم أرغب الفهم... سامحيني يا أمي لأنني لا أفهم وشكراً لك يا حبيبتي لأجل عطائك ولأجل قوتك وصمودك.
أنا أدعوكم ألا نصدر أحكامنا على المرأة... فالمرأة ليست بمخلوق ضعيف بل هي قوية صامدة متحدية بكل حالاتها وقراراتها وبجميع ظروفها مهما كانت تلك الظروف.
فالمرأة التي تقبل أن تعيش مضحية من أجل أولادها فهي بقرارها تصبح قوية؛ قوية في صبرها وصمودها أمام تحدياتها... والمرأة العزباء هي امرأة قوية لأنها تحلق في سماء الحرية والاستقلالية بأخلاقها وإنجازاتها واستمتاعها بالحياة قوية لتحملها وحدتها... والمرأة المطلقة هي قوية بتمردها ورفضها لأن تعيش حياة لا ترغب بها لتواجه مجتمعاً قد يحكم عليها ويختلق القصص عن تمردها... والمرأة الأرملة قوية بصمودها أمام هروب أقرب الناس إليها وعدم المشاركة في تحمل أعباء مسؤولياتها.
أيتها الأم والزوجة والمطلقة والأرملة والعزباء أطلقي العنان لقوتك الكامنة في داخلك فأنت قوية صامدة متحدية رائعة، خليط من الحب والمشاعر والعطاء... فقد فهمت... وأخيراً فهمت من هي الأم والزوجة والأرملة والمطلقة هي بكل بساطة امرأة والمرأة مهما كانت ظروفها فهي قوية.
متى سيحين الوقت الذي سنتوقف فيه عن إطلاق الأحكام على المرأة ونعتبرها ضعيفة؟ إلى متى سنجعل المرأة هي آخر أولوياتنا فتمسي لا تعرف قدراتها ولا ترى مكامن قوتها؟ متى سيحين الوقت الذي سنتوقف فيه عن وصفنا للرجل الضعيف بأنه "مَرَة"؟
فكل ما تحتاجه المرأة هو أن نسقيها من أولوياتنا ونمنحها احترامنا ونعطيها حقها لتطلق تلك القوة الكامنة في داخلها... لم يتبق هناك وقت لنستوعب كل هذا بل حان الوقت حيث لا مكان للندم "رح يجي يوم ونفهم"... عن تجربة