قصص أمهات
اليوم الذي فكرت فيه: ماذا أفعل لأساعد ابني.. ولم أفعل شيئاً!
نمر كأمهات بالعديد من المعضلات اليومية التي تبدأ منذ اليوم الأول لولادة أطفالنا؛ هل نقوم بالرضاعة الطبيعية أم نلجأ للإرضاع بواسطة الزجاجة؟ هل نعطي الأطفال العلاجات الطبيعية أم نأخذهم إلى الطبيب؟ هل يحتاجون للذهاب الى الحضانة أم نرسلهم إلى الروضة مباشرة؟ وكلما كبر أطفالنا كلما أصبحت هذه الأسئلة أعمق ويُنظر إليها على أنها أكثر أهمية- بالنسبة للوقت الذي طرحت فيه هذه التساؤلات! أي فرع سيدخلون في المدرسة الثانوية؟ وبأي جامعة سيلتحقون؟ وما هي المهنة التي سيختارونها؟ وربما أسرع مما نعتقد؛ من سيكون شريك حياتهم؟!!
وسيجعل ذلك اختيار ماركة حذاء المشي الأول لأطفالنا يبدو أمرًا تافهًا، بعد أن كان – في حينه- أهم قرار نتخذه في حياتهم! ولكن ما نستطيع أن نتفق عليه جميعا كآباء وأمهات هو أننا نريد أن نساعد أطفالنا، ذلك واضح ولا خلاف عليه- حتى أننا لا نفكر - بل نهرع ونساعد على الفور. وهذه استجابة طبيعية أو رد فعل طبيعي، فعندما نراهم يسقطون نسرع ونحملهم، وعندما نرى تلك النظرة في عيونهم قبل أن يبدؤوا بالبكاء، نركض مسرعين لتهدئتهم، حتى لا نراهم يذرفون دمعة.
لكن هل فكرنا في أن تدخلنا- أو المبالغة في تدخلنا- بجميع تفاصيل حياة أطفالنا أمر مفيد؟ وبأنه عند قيامنا بكل ما نقوم به كأهل "من أجل أطفالنا" فان ذلك قد يسبب لهم الأذى أكثر من المساعدة؟
قبل عدة سنوات، كان ابني قد حضر عرضًا لمشروع تخرجه المدرسي، وأمضى الأيام القليلة السابقة للعرض في إعداد مشروعه وأوراقه وملصقاته وما إلى ذلك. في صباح يوم تقديم العرض، أوصلته إلى المدرسة – حيث كان في العادة يذهب بالحافلة - وساعدته في حمل أغراضه ووضعها في السيارة وأوصلته مع أمنياتي ودعواتي بأن يقدم هو وشريكه عرضًا جيدًا. ولقد كان لدي بضعة مهام لأقوم بها قبل مواعيدي مع مرضاي في العيادة في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم. وفجأة تلقيت مكالمة من ابني بعد حوالي 45 دقيقة، طالبًا المساعدة، وبدا يائسًا! "أمي، أنا بحاجة لمساعدتك، من فضلك!". "ما الأمر عزيزي؟"، "لقد نسيت بذلتي في المنزل، وأنا بحاجة إليها لتقديم العرض. في وسط كل الأشياء التي وضعها في السيارة في الصباح من أجل العرض، نسي بذلته معلقة في غرفته!
تنفست بعمق وفكرت: ماذا أفعل؟!! ماذا أفعل لأساعد ابني؟ ما هو أفضل شكل من أشكال المساعدة التي يمكن أن أقدمها له؟ ثم نظرت إلى ساعتي وفكرت: مع أزمة المرور الخانقة في الصباح سيستغرق الأمر ساعتين للعودة إلى المنزل وإحضار البذلة إليه والعودة إلى العمل- فقد كنت بالفعل قد ابتعدت كثيرًا!
ثم قلت لابني: "حبيبي، خذ سيارة أجرة واذهب لإحضار بذلتك!". "أمي، أنا بحاجة للتحضير مع صديقي كما أنني نسيت محفظتي في المنزل ولا أملك النقود للعودة إلى المنزل! أرجوكِ أحضري لي البذلة!".
بقيت هادئة وقلت له: "الأمر بسيط يا عزيزي، اقترض بعض المال من أصدقائك حتى تذهب إلى المنزل وتحضر محفظتك!" ثم توسل إليَّ عدة مرات ولكن في نهاية الأمر، أدرك بأن ذلك مضيعة للوقت وبأن عليه الذهاب لإحضار بذلته بنفسه.
بعد انتهاء الحوار بقليل اتصلت بي إحدى صديقاتي وكنت متضايقة جدًا- لم أعلم ما إذا كنت متضايقة أكثر لأنه نسي بذلته، أم لأنني لم أهرع لمساعدته! وأخبرتها بما حدث، واقترحت بكل لطف أن تحضر بذلة ابني وتوصلها إليه. إلا أنني شكرتها وقلت لها بأنه يمكنني أنا أيضًا القيام بذلك، إلا أن ذلك لم يكن هو المغزى.
فإن ابني سيسافر وحيدا بعد بضعة أشهر للدراسة في الخارج ولن يكون هنالك أحد ليذهب ويحضر له أي شيء!
هل سيكون إحضاري للبذلة مفيدًا له أكثر من تحمله مشقة احضارها بنفسه؟ هل سأنقذه من أية عواقب سيتحملها في المستقبل عندما لا ينهي عمله؟ هل سيحبني أقل إن لم أحضرها له؟ أم هل سيمنحني ذلك الشعور بأنني مهمة جدًا لدرجة أن الأمور لا تسير دون وجودي؟!! الأمر الأكثر أهمية كان في ضرورة تحمله هو لكامل المسؤولية والملكية عن عمله لا أن أكون أنا الأم الخارقة التي تهرع لنجدته دائمًا!
إن اندفاعنا للمساعدة والاهتمام بكامل تفاصيل حياة أطفالنا قد تكون عائقًا كبيرًا أمام تعلمهم ونموهم أكثر مما ندرك. وبالمناسبة أنا هي نفس الأم التي تسرع لإيصال صندوق الغداء الذي نسيه طفلها إلى المدرسة ونفس الأم التي تعيد تنظيف أسنان ابنها البالغ من العمر 13 سنة للتأكد من أنها شديدة النظافة؛ إلا أنني أعتقد بأن ردود أفعالنا كآباء وأمهات يجب أن تترك المساحة الكافية لأطفالنا لتطوير حس قوي بالمسؤولية!