قصص أمهات
كاد التنمر الذي تعرض له طفلي أن يدمره
كأي أُم لها طريقتها المميزة في تربية أطفالها. كانت لي طريقتي الخاصة في التربية، فقد ربيتهم على الحب والعطاء وعلى مبادئ أساسية مثل "لا تضرب فإن الله خلق لنا العقل والحكمة، لا تشتم ولا تُؤذي وكن لطيفاً".
بعد دخولهم المدارس، أصبحت أذكرهم في صباح كل يوم وقبل نزولهم من السيارة بهذه المبادئ. إلا أنه ومع مرور الوقت أصبحت أُلاحظ تغيرات على طفلي ذو الست سنوات (الصف الأول الابتدائي). أصبح عدائي يبكي بسهولة ويخاف من أشياء لم يكن يخاف منها من قبل وحتى ثقته بنفسه لم تعد كما كانت!! وأكثر هذه العوارض صدمة لي أنه ما عاد يهتم بممتلكاته الشخصية التي لا طالما كان لا يسمح لأحد أن يلمسها وحتى وصل إهماله لعلاماته المدرسية، لاحظت الكثير من التغيرات التي يمكن للأم أن تلاحظها بشكل كبير ومفاجئ. حاولت لعدة مرات التحدث معه وسؤاله عما يجري، لماذا يتصرف هكذا وما سبب كل هذه التغيرات التي تحصل معه؟ لكن لم أحصل على أي إجابة...للأسف!
لجأت إلى طريقته المفضلة وهي رواية القصص، بدأت أُدون ما أريد أن أوصله إليه من نقاط وأصيغها على شكل قصص ولو كانت هذه القصة لا تتجاوز الدقيقتين. وكنت أبعث له في كل قصة الكثير من التطمينات والإحساس بالأمان حتى يخبرنا عما يحصل معه وهنا كانت المفاجأة...
حين فتح قلبه وقال بكل صدق بأنه يتعرض للضرب بشكل يومي! وبصراحة من صدمتي سكت لوهلة وبعدها نظرت إلى عينيه مباشرة وقلت له: "يا حبيبي لا تخف نحن معك ولكن ما عليك عمله هو أن تبتعد قدر الإمكان عن أي شخص يحاول أن يضربك أو يؤذيك".
لكن للأسف استمر الوضع على ما هو عليه. وبقيت أشجعه وأطمئنه واحضنه وأزيد من ثقته بنفسه ولكن بلا جدوى حتى وصل بنا المطاف أن أخبره لا بل أجبره وبكل ثقة بالقول: "لما تنضرب أُضرب".
كنت على يقين تام بأنه لن يضرب، وهذا فعلاً ما حصل فهو خائف، كان يقول لي: "إذا ضربت الولد رح يودوني أنا كمان على الإدارة" – طفل في عمر الست سنوات لديه صراع داخلي بين أن يدافع عن نفسه وبين العقاب وكلتا الحالتين يرفضهما! كان جوابي: "نحن معك لا تخف إذا ضربك أحدهم اضرب ودافع عن نفسك ونحن سنتصرف مع إدارة المدرسة". (طبعاً الإدارة بدراية تامة عن الموضوع واجراءاتهم كانت بفصل الطلاب عن المدرسة لبضعة أيام لأكثر من موقف).
وطبعاً قمت بإخبار المعلمة أن هذا ما يتعرض له طفلي وكان جوابها: "كل من في المدرسة يشتكي من هؤلاء الطلاب (الأطفال المتنمرين) وهم بالفعل مؤذيين لدرجة أنهم ضربوا طفل على عينه ونزف الدم منها!!!"
ما هذه التربية وما هذا التوحش!!! فعلاً نحن في زمن مخيف لدرجة مخيفة.
عند عرضي لموضوع التنمر الذي يتعرض له طفلي أمام إدارة المدرسة والمعلمة؛ كان الأمر متوقع بالنسبة لهم فلم أكن أنا أو ابني أول من يسجل شكوى عن هذه المجموعة من الأطفال المتنمرين، ولاحظت بكل صدق أن حتى أهل الأطفال لم يكن لهم أي دور إيجابي بالموضوع ولا حتى توبيخ أو حرمان أو عقاب أو على الأقل محاولة للتحدث مع أطفالهم المتنمرين الذين يقومون بأذية الأطفال الآخرين بكل معنى للكلمة!
الحل الذي قدّمته المدرسة، أنهم لن يقبلوا بإعادة تسجيل أي من هؤلاء الطلاب وكل من صدرت شكوى تجاهه سواء كانت شكوى لتنمر جسدي، نفسي أو لغوي.
وقبل أيام فقط قمت بتسجيل أطفالي بالكيك بوكسينغ (Kickboxing) وذلك لأنهم فعلاً بحاجة لمثل هذه النشاطات البدنية لزيادة ثقتهم بنفسهم وبناء شخصية متوازنة عقلياً وجسدياً وتفريغ طاقاتهم وليثقوا بأنهم قادرين على حماية أنفسهم، وبهذه الطريقة أيضاً تمكنت من إقناعهم بأهمية ممارسة التمارين الرياضية بشكل يومي.
وأنا بعد تجربتي التي ستنتهي -إن شاء الله- قريباً تعلَّمت أنه يجب على كل أم وأب أن ينتبها ويستمعا لمشاعر وأحاسيس أطفالهم ولا يهملا أياً منها لأنها ستقودهم إلى الهاوية.
علينا كآباء ومعلمين ومدارس الانتباه لهذه الظاهرة والتعامل معها بجديه ووعي لما لها من آثار هادمة في المستقبل. ففي النهاية نحن نتحدث عن أطفال ومراهقين ما زالوا في مرحلة بناء شخصية وهوية ذاتية، والاستخفاف بهذه الظاهرة يؤدي بالمتنمر إلى شخصية معادية للمجتمع وتقوده إلى الإجرام. كما توصل الضحية الى الانعزال وربما الانتحار.