قصص أمهات
تساءلت كثيراً... هل سأحب طفلي بعد ولادته؟
بقلم: دعاء النابلسي، أم لطفل
أعترف بأني لم أستقبل خبر حملي لأول مرة بحماس وشغف، بل في الحقيقة كان الأمرُ صادماً وغير متوقعٍ في حينها، وقد كان ذلك كفيلاً بأن يبدأ شعلة الشعور بالذنب والإحساس بأني أمٌّ سيئة وغير جديرة بهذه النعمة التي يتمناها الكثيرون.
حاولتُ بعدها السيطرة على مشاعري عن طريق التبحر أكثر في أهمية مشاعر الترحيب في تكوين الجنين، وكيف أنه رغم عدم اكتمال تكوينه إلّا أنه يتأثر سلباً أو إيجاباً بناءً على طريقة تفكيرنا به.
وفعلاً ومع بعض الجهد والكثير من الإيجابية والدعم ممن حولي نجحتُ في تقبل حملي وإقامة علاقة سلام مع جنيني.
ولكن بقي هناك سؤال في خاطري بانتظار إجابة حقيقية؛ هل سأُحِبُ طفلي منذ لحظة ولادته وأشعر بتلك الفراشات تتراقص في داخلي حالما أرى عينيه اللامعتين؟
أعترف -كما يعلم ذلك من يعرفني- بأني شخصية لا تجيد التعامل مع الأطفال كما أنني أحب العيش بحرية دون التقيد بشيء، ولذلك لم تكن إجابات أُمي مطمئنة بما يكفي حيث أنها كانت تفرح بمجرد معرفتها بأنها حامل؛ فهي حقاً امرأة رائعة، تُزهِر في العائلة وتستمتع في تمضية الوقت مع الأطفال -أذكر ذلك جيداً- بل وإنها تعامل أي طفلٍ كأنه طفلها. أما أنا فلا أتمتع بتلك الهبة ولذلك كان هذا السؤال ينتظر إجابةً من صديقةٍ ربما تتفق معي في أسلوب حياتها، وخاضت تجربة الأمومة قبلي.
وذلك ما كان، سألتُ إحدى صديقاتي التي رُزِقَت بمولودٍ جديد، وجاءني الجواب منطقياً جداً ومغايراً للصورة المثالية التي زُرِعَت فينا عبر السنين: "كنتُ أُشفِقُ عليه كونه لا حول له ولا قوة، شعورٌ إنسانيٌ بحت بدأ يكبر ويتشكل مع الأيام، إنه يأخذُ شكلاً آخراً الآن، أصبحتُ أحبه أكثر من قبل، وأعلم أني سأُحِبه غداً أكثر".... ياه كم أراحني هذا التحليل! ليس عليَّ أن أقلق بعد الآن، سأُحِبُّه حينها وسينمو هذا الحب ويكبر.... سأدع الأمر للوقت وستمضي الأمور على ما يرام.
الآن في عيد ميلاده الثاني، لا أستطيع تذكر كيف كانت حياتي قبل وجوده، وأكاد لا أستطيع أن أُحصي التغييرات التي حصلت لي بسببه.... منحني فرصة العودة إلى أدراج الطفولة مجدداً دون أي تحفظٍ أو انتقاد من أحد، أضاف لي منظوراً جديداً في الحكم على الأشياء، ومساحةً مختلفة للنظر منها.
بالطبع أُحاكِمُ نفسي بين فينة وأخرى، كما أمُرُّ بلحظات شكٍ حقيقي عن مدى كفاءتي في دوري الجديد، إلا أن لهفته عند لقياي، وأسنانه اللبنية البارزة في ضحكاته حين يراني يبقون بوصلتي ومنارتي.
دائماً ما نشكر الوالدين على العطاء والتضحيات التي تُقَدَّم على مر السنون - وهو أمرٌ لا شك فيه طبعاً- لكني أؤمن بأننا ندين لأولادنا بالشكر أيضاً على جعلنا أقوى وأفضل، على كمية الحب التي تملأ قلوبنا بسببهم، على اكتشاف ذواتنا مجدداً بطريقةٍ لا يمكن أن توجد لولاهم.
طفلي الصغير، دعواتي أن تكون نبتتي المثمرة، ومشروعي الأضخم والأنجح.... أن تكون أثري الجميل، آمين