قصص أمهات
حكايات أم الأولاد: سر قوتي في الفترات الصعبة
بقلم: مي نجم الدين، أم لتوأم
لم أتخيل أن الله سيرى دموعي المنهمرة بين ركعات صلواتي أو أن يغمر قلبي برحمته، فأنا لا ألجأ إليه إلا في الكوارث! فهل سأنجو من هذه الكارثة بصلواتي؟ وهل هناك مصيبة أكبر وأشد من حدوث مكروه لأحد ابنائي؟!
مررت بأوقات صعبة... كنت أقضي وقتي في البيت... فشل أكثر من مشروع عمل وسفر... أدوار متتالية من البرد والإسهال والنزلات المعوية تصيب التوأم فتجعل انتظامهم في الحضانة أمراً مستحيلاً... الكثير والكثير من أحمال التوأم والقليل من الدعم والأصدقاء!
ازداد الأمر سوءً بعد ملاحظتي أن سليم لديه فتحتين للتبول! اعتقدت لأول وهلة أن ملاحظتي غير صحيحة كنت مرهقة من قلة النوم، ولكن في اليوم التالي تأكدت من شكوكي للأسف... فقد سبق وخضع سليم لعملية تعديل مجرى البول في سن السبعة أشهر... فما الذي حدث؟!
اتصلت بطبيبه الجراح وطلب أن نتوجه لزيارته فوراً، أمضيت طريقنا وأنا أكذب على نفسي واطمئنها بأن كل شيء سيكون على ما يرام... كنت أعلم باحتمالية إجراء عملية أخرى لسليم وقد أكد الجراح ذلك بعد الكشف عليه، حيث قال إن هذا ناصور بالعضو ويجب خياطة الفتحة الموجودة... صُدمت! لم أسمع بقية الحديث.
في طريق عودتنا إلى المنزل احتضنته بشدة وبكيت، فما زالت ذكريات العملية الأولى تطاردني... ألم آخر، قسطرة بول أخرى وتفاصيل متعبة أخرى!
في ذلك الوقت، كانت أمي بعيدة تؤدي مناسك العمرة، فقام أبي عوضاً بتهدئتي وطلب مني عدم التفكير بأي شيء وأن أوكل أمري إلى الله... وهذا ما فعلت!
بعد ذلك وبفترة قصيرة، وصلتني بعدها بفترة بسيطة رسالة من صديق لبناني وأخبرني أنه سيقضي إجازة مع زوجته وأختها في مصر ويريدان لقاءنا أنا وزوجي وتوأمنا... سعدت كثيراً فقد كنا بحاجة لهذا النوع من التغيير؛ لقاء أناس جدد بأماكن مختلفة والابتعاد عن أي تفاصيل مرهقة عن العملية. قضينا أجمل الأوقات معهم، كنا نخرج كل يوم، كل يوم كان مغامرة جديدة، حتى أن مروان وسليم استمتعا بوقتهما كثيراً.
التشخيص
سافر اصدقائي وبدأت ثانية بالتفكير في عملية سليم، فكرت بتفاصيلها، أسبابها وجميع حيثياتها.
عندها اتخذت أول قرار لي وهو أخذ رأي طبيب جراح آخر، لأنني بصراحة لم أقتنع بكلام طبيبه عندما قال أن العملية ليست ضرورية ويمكن تأجيلها...تأجيلها على الرغم من المواقف المحرجة التي كان يمر بها سليم في كل مرة كان يدخل إلى الحمام، وخاصة في الحضانة، فقد كانت ملابسه تتسخ وتتلطخ بالبول بمجرد أن استخدم الحمام!
بالرغم من صعوبة وقسوة طريقة الكشف (الكشف اليدوي) على صغيري الذي لم يتم الرابعة، إلا إنني صممت على متابعة رحلة البحث عن طبيب جراح آخر. قمنا بزيارة طبيبين آخرين، الثاني لم يقنعني ولكن الثالث والحمد لله استطعنا الوصول إليه فهوأكبر وأشهر جراحي الأطفال في مصر.لم يختلف تشخيصه ولكن الفرق كان الأسلوب والطريقة في التعامل مع سليم الذي كان يرتعب كلما أراد أي طبيب الاقتراب منه مما بعث في أنفسنا بعضاً من الطمأنينة.
وقت العملية
وافقنا على إجراء العملية ولكن كان لدي شرط واحد وهو أن يتم تخدير سليم وهو في حضني حتى أخفف من وطأة الأمر عليه وأبعد عنه الخوف والرعب عند رؤية وجوه جديدة وكثيرة في آن واحد... وبالفعل وافق الطبيب!
يوم العملية ونحن نتجه إلى قسم العمليات وجدنا العائلة والأصدقاء بانتظارنا في بهو المستشفى... فرحنا كثيراً وشعرنا بدعم كبير منهم.
ما لم أتوقعه هو طلب الطبيب عندما رأى أن لسليم توأم "مروان"، وهو إبعادهما عن بعضهما لمدة لا تقل عن أسبوع حتى يتجنب سليم الحركة واللعب وحتى لا يراه مروان وهو تعب واضعاً لقسطرة بولية!
للوهلة الأولى لم أعرف كيف أتصرف ولكن الحمد لله تذكرت الأشخاص الذين يتقنون فن التعامل مع ابني مروان ويحبونه فلم أفزع وأرسلته إليهم... بالطبع هما والداي، جده وجدَّته!
لم ينسى طبيبنا الوعد، قمت بحمل سليم في حضني... احتضنته بشدة حتى أخذ المهدئ الذي جعله يضحك ويرمي القبلات للجميع حتى استرخت يداه واستسلم للنوم. عندها أخذته الممرضة مني وإلى سرير العمليات.
خرج سليم من العملية وهو لا يزال تحت تأثير المخدر، بقي كذلك لمدة ثلاث ساعات، بعدها بدأ يشعر بالألم فأصابته نوبة غضب وذعر من شدة الألم، فبدأ بالصراخ والبكاء الشديدين محاولاً الخروج من السرير والهروب. أراد أن يرى أخاه التوأم.
حزنت كثيراً، للحظة كان يغضب ويضربني بشدة وفي لحظة أخرى يضع رأسه على صدري طالباً المواساة، كان هذا من أكثر الأوقات صعوبة علينا جميعاً. استطاعت الممرضة تهدئته وأحضرت له أفلام كرتونية ليشاهدها وبعض الألعاب لتلهيه عن الألم.
في نفس الوقت كانا والداي يحاولان إلهاء مروان عن عدم وجودنا بجانبه بالحلوى والذهاب إلى الملاهي. ولكنه لم يكن سعيداً وكان يحاول عدم التحدث عني أو سليم حتى لا يشعر بالحزن الشديد.
في صباح اليوم التالي للعملية قام طبيبه بزيارة غرفتنا ليفحصه ويرى مدى نجاح العملية. والحمد لله طمأننا بأنها نجحت وأن كل شيء على ما يرام. كانت المفاجأة عندما أخبرنا أن مصاب سليم لم يكن ناصوراً بل كيس تجمع بولي. لذلك، طلب منا إبقاء القسطرة البولية لمدة أسبوع آخر وأن يبقى بعيداً عن أخيه... كانت من الفترات الصعبة على الولدين، فلم يستوعب سليم شكل القسطرة ولا سبب ابتعاده عن أخيه.
كانت خمسة أيام مرهقة... ما بين بكاء بسبب الألم، انسداد الشهية وعدم إدراكه لكل ما يحدث من حوله... أصعب الأمور كانت في منعه من اللعب، فهو معتاد على اللعب مع أخيه، الركض والقفز. فما كان علي إلا أن أشتت انتباهه بأنشطة أخرى مثل الرسم والتلوين، تركيب الأحجيات (البازل) وأحيانا مشاهدة أفلام كرتونية.
ما لم يساعدني كثيراً هو مرض أخيه المستمر، كانت ترتفع درجة حرارته بشكل يومي وخاصة في المساء قبل النوم. لم نعرف سبب لهذا أبداً! الغريب أن مروان تعافى بمجرد أن فككنا القسطرة عن سليم ولممنا شملهما... تعافى بشكل تام ولم تعد الحرارة يعد قضاء أول ليلة مع أخيه ومعي!
بعد العملية
استمرينا في متابعة العملية ونظافة المكان كل أسبوع لمدة ثلاثة أشهر، في تلك الفترة اضطر سليم لارتداء الحفاض مرة أخرى، قلقت لهذا الأمر فلم يكن تدريبه على استخدام النونية سهلاً. ولكن بعد أن تعافى تماماً لم تكن الأمور صعبة، عادت المياه إلى مجاريها بسهولة.
هل تحدثت إليكم من قبل عن سر قوتي في المحن... ما هو مصدرها؟! هو إلهام يبعثه الله بكل محنة على هيئة شخص أو رسالة وكان سبب ومصدر قوتي وتحمُّلي لهذه المحنة هو الدعم فبجانب دعم الأهل جاء دعم أصدقائي اللبنانيين اللذين قدر لي الله أن يأتوا إلى مصر رحلة لكي ينتشلوني أنا والصغار من كابوس العملية وبدون أن يشعروا قاموا بالطبطبة على روحي لأستعيد شغفي وقوتي
فرغم البعد والمسافات إلا إنني كنت اشعر بحضن صديقتي "نور" الدافئ عندما أسمع تسجيلاتها على هاتفي النقال لتطمئن على آخر تطورات عملية سليم والقلوب الصغيرة التي كان صديقي "إبراهيم" يرسلها بكثرة ليراها سليم، اتذكرهم طوال الوقت عندما انثر بعضاً من الزعتر الشامي على طعامي أو عندما انظر إلى تمثال شجرة الأرز الذي كان ضمن هدايا كثيرة أحضروها إلينا... هم رزق وعون ومدد أرسله لي الله عندما بكيت.