قصص أمهات
كيف تغلبنا مع ابننا رعد على أصعب الظروف بكل قوة وأمل
بقلم: سنا هاشم من فريق أمهات360
اسمي شذى وزوجي أمجد نحن عائلة صغيرة وجميلة لدينا نور ورعد أغلى ما نملك في هذه الدنيا.
نعيش كل يوم بحب وسعادة وأمل بالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتنا، ولا يوجد أصعب من أن تكون تلك التحديات في أغلى ما نملك.. أطفالُنا!
ولد ابننا رعد ولديه تشوه في القلب وقيل لنا أنَّ هذا التشوه معقد جداً وهناك عدد قليل من الأطباء الذين يمكنهم القيام بمعالجة هذا التشوُّه. نصحنا الأطباء في السفر إلى الخارج وقيل أنَّ هناك طبيب مختص في هذا النوع من التشوه في ولاية سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة، فقمنا بالتواصل لترتيب كافة الأمور ولكن وصلتنا رسالة تفيد بأنَّ تكلفة هذه العملية تتراوح ما بين ١ -٢ مليون دولار! شعرنا بالألم والحزن فهذا مبلغ خيالي يفوق قدرتنا بالطبع، ولكنَّنا أردنا أن نسارع في علاج ابننا وتأمين حياة سليمة له.
وجدنا طبيب في ولاية أوهايو يمكنه إجراء العملية بتكلفة تقدر ب ٥٠٠ ألف درهم أي ١٣٧٠٠٠ دولار تقريباً. بالطبع حتى هذا المبلغ كان عالي جداً بالنسبة لنا ولم يكن بمقدورنا دفعه إلا أنَّنا قررنا المحاولة واقتراض المبلغ، وبالفعل سافرنا إلى اميركا لإجرائها وإعطاء ابننا أفضل فرصة للحياة لأنَّه يستحق ذلك.
كان يوم العملية صعباً وطويلاً جداً، أكثر من ١٥ ساعة. حتى خرجت الطبيبة وقالت "نجحت العملية، حدث نزيف لكن تمَّ السيطرة عليه"، ولكن وضعه بعدها لم يكن مستقراً. فبالنسبة لطفل -يبلغ من العمر ٤ أشهر فقط- قد خضع لعملية جراحية في القلب لهذه المدَّة ليس بالأمر السهل علينا جميعاً، كان قد أرهق جسمه الصغير وكان بين الحياة والموت. بقي في العناية المركزة لمدة شهر ونصف لا يأكل ولا يشرب ولا يفتح فمه يتغذى فقط عن طريق أنبوب.
اكتشف الأطباء لاحقاً حدوث مضاعفات لديه وأصبح يعاني من تلف في خلايا الدماغ، لم يكن بمقدورهم تحديد مقدار هذا التلف خلال صور الرنين المغناطيسي (MRI) بسبب عدم استقرار وضعه.
كانت من أصعب أيام حياتنا كأبوين، التلف في الدماغ يؤثر على حياة الإنسان؛ النطق، الحركة، السمع، أو البصر تبعاً لمكان التلف. وعدم معرفتنا لذلك سبب لنا القلق والحزن الشديدين.
وصف له الأطباء الكثير من الأدوية بسبب التشنجات التي عانى منها، فقرروا تباعاً إدخاله في غيبوبة حتى يهدأ جسمه. وبعد أن استيقظ لم يكن أي شيء في جسده يتحرك! كان يرمش فقط وينظر إلى السقف طوال الوقت. كان يتم سحب الدم منه وإعطاءه الإبر دون أيَّ حركة منه أو ردة فعل. شعرت بالألم الشديد لدرجة أنني تمنيت أن يبكي حتى! اسمع صوت بكاءه على الأقل. نعم، لا يوجد أم تتمنى بكاء طفلها إلّا أنني تمنيت ذلك لأرى أيَّ رد فعل أو إحساس يصدر منه.
بعد فترة تمكَّنا من إعادة أخذ صور للرنين المغناطيسي (MRI) عندها تم التأكد من وجود تلف كبير في منطقة الدماغ. وهذا كان أسوأ يوم في حياتي...
عندما اقتربت منا الطبيبة وقالت: "من خلال الصور التي بحوزتنا، لن يستطيع ابنكم المشي أو الحركة طوال عمره وحتى الكلام وإن استطاع ستكون كلمات فقط!
كانت صدمة حياتي... كان يوم فاصل في حياتي كلّها، إمَّا الانهيار واخسر عائلتي وزوجي وابني أو أكون قوية لأجلهم جميعاً ولأجل ابني!
بعد يوم طويل من البكاء والألم، ولأنني مؤمنة بربي قررت أن أبقى قوية وأنني سأفعل المستحيل كي اساعده ليمشي ويتكلَّم، وسواء تحرك أم لا، تكلَّم أم لا، سيبقى ابني... أغلى ما أملك.
كما أن قراري هذا كان لأجل ابنتي نور، كان يجب عليَّ أن أؤمن جو أسري مستقر قدر المستطاع فلا مجال للانهيار.
قررنا أنا وزوجي أن نبدأ من جديد، قررنا أن نُخرجه من العناية المركزة فطوال هذه المدة تعبنا جميعاً أنا وزوجي وابنتي التي كانت تبيت في بيت أخي بعيداً عنا أغلب الوقت. فقررنا العودة إلى المنزل نعيش جو عائلي معاً نعتني ببعضنا البعض ونُساند بعضنا بكل أمل وحب.
عدنا إلى أبو ظبي حيث نقيم، واجهتنا صعوبة بسبب الغربة في البداية، لكن في دولة الإمارات تقدم الحكومة مشكورة إعفاء لأي عائلة لديها مشاكل صحية مُكلفة. كنا نراجع الكثير من العيادات؛ النطق والتواصل، البلع بسبب عدم قدرته على بلع أي شيء بسبب ارتخاء العضلات، العلاج الوظيفي، وكذلك الطبيعي. تخصصات القلب، الدماغ، الأعصاب، الأطفال، الكلى، العيون، وحتى اخصائية التغذية بسبب عدم قدرته على الأكل حيث لم يمكننا تزويد جسده إلا بالحليب وعبر أنبوب.
كانت لدينا مواعيد بشكل يومي إلى المستشفى، بمعدَّل خمسة أو ستة مواعيد خلال الأسبوع. أجرينا له العديد من العمليات، منها خمسة عمليات قسطرة وحتى عملية عيون لأنه كان يعاني من ارتخاء في عضلات العيون. كثيراً ما تقلق الأم لعملية واحدة قد يجريها طفلها! تطلَّب الأمر صبراً وقوةً شديدين مني.
بفضل الله لم يذهب صبرنا وقوتنا سدى، أصبح الآن رعد أفضل بكثير. كان لا يتحرك أبداً قمنا بتدريبه على المشي واستخدام يديه ليمسك الأشياء وأصبح يتحرك ويسمع ويرى بشكل أفضل.
كم كانت فرحتنا كبيرة حين سمعناه يقول بابا وماما لأول مرة! ضحكت لنا الحياة حين ضحك لأول مرة كذلك بعد بقائه سنة أو أكثر لا يستطيع ذلك. بل أصبحت الضحكة لا تفارقه والسعادة على محيَّاه.
لقد تعلَّمت منه الكثير، تعلَّمت القوة والصبر كنت أخجل من نفسي حينما أشعر بالضعف أو الحزن.
تحسنت حالته بشكل كبير بحمد الله، ولم نكن نتخيل أنَّنا سنصل إلى هذه المرحلة. تذكرت كلام الطبيبة لنا: " ابنكم لن يمشي أو يتحرك ابداً.." لكن مع الأمل لا يوجد مستحيل!
لزوجي أمجد دور كبير، كل الكلام لن يوفيه حقَّه، فقد خفف عني كثيراً بتعاونه معي ومساعدتي. منذ وقت عودته إلى المنزل يتولى أمور رعاية رعد في كل شيء. هو يطعمه، يغير له حفاظه، يحممه، ينيمه، يعتني به مثلي أو حتى أكثر.
يحاول جاهداً ألا يحرمه من أي شيء مادي أو معنوي. لا يتعامل معه كأنَّهُ حالة خاصة على العكس، يلاعبه ويشاركه ويجعله يشارك باقي الأولاد، يمسكه جيداً ويكون هو يداه وقدماه وحواسه! رعد متعلِّق بوالده كثيراً وكأنَّهم جسدين بروح واحدة! يحرص دائماً أن يكون إلى جانبنا في المواعيد والعلاجات والعمليات.
أصبحنا أنا وزوجي أقرب وأقوى بألف مرة من قبل. بعض الأهالي تتدمر حياتهم وعلاقتهم بمثل هذه الظروف. إلَّا أنَّنا بحمد الله تحدينا كل الصعاب معاً، حينما كنت أشعر بالضعف أجد فيه القوة وهو كذلك.
وكذلك لأهلنا الدور الكبير في الدعم المعنوي والنفسي ودعائهم المتواصل لنا كان يعني لنا الكثير.
ابني رعد هو من أحلى النعم التي وهبنا الله إيَّاها، تعلَّمنا منه المعنى الحقيقي للحياة... القوة والإرادة والأمل. تعلَّمنا أن نعيش حياتنا ونستمتع في كل يوم وكأنَّه آخر يوم في الدنيا. ولا يوجد أي أمر يستحق الحزن والكدر لأنَّ اليوم الذي يَمُر لا يعود فيجب علينا أن نستمتع بكل ما لدينا من نِعم دون أنّ نفكِّر بكلمة "لو"، وأنَّنا نحن فقط من نصنع السعادة وليست الظروف.