قصص أمهات
حكايات أم الأولاد: في مثل هذا اليوم!
بقلم: مي نجم الدين
في مثل هذا اليوم، العام الماضي، كنت أقل وزناً وأكثر هدوءاً... في مثل هذا اليوم كنت آخذ خمس حقن على جرعتين في اليوم، امتلأت بفتحات تحت جلدي لدرجة تعليق زوجي حين قال: " بقيتي مخرمة زي النافورة!". في مثل هذا اليوم... كان لدي حلم، عشت كل تفاصيله من ألم وأوجاع إلى أن أصبح من أحلى ذكريات حياتي.
في مثل هذا اليوم...قررت وأنا فى كامل قواي العقلية أن أواجه مخاوفي ورعبي وقلقي، وأن أسلم نفسي لأيدي أطباء التخدير والجراحة وخضوعي لعمليتين بينهما أربع أيام فقط!
في مثل هذا اليوم... كنت أبكي وضغط دمي يستمر بالهبوط من توتري ومللي من البقاء في المنزل بعد العمليتين! لا زلت أذكر لحظات تفكيري في احتمالين لا ثالث لهما، ورعبي وقلقي من احتمال الفشل...لا زلت أذكر عرس "دينا إكرام"، الذي كنت أفضل الموت على أن أفوته، أردت رؤيتها وهي عروس ومقابلة كل من أحب. لا زلت أذكر كورس المهرجين الذي سجلت فيه وكان من إحدى احلامي أن آخذه، ولكن بالطبع تم إلغاؤه... لا زلت أذكر أصعب موقف في حياتي، وهو عدم قدرتي على حضور حفل خطوبة أخي "مصطفى" وعدم رؤيته وهو عريس! لا زلت أذكر تفاصيل هذه الأيام بكل وضوح...والبويضات الأربعة التي زرعها الطبيب في داخلي، وتركنا نحن الخمسة لوحنا تائهين في ملكوت الله "حاضنين بعض ومستنيين".
في مثل هذا اليوم... بقي ليلتين لحين موعد الاختبار، كنت مرتعبة. أيقظت الجميع في المنزل منذ الفجر حتى أقوم بالفحص. مضى الوقت وكأنه مليون سنة، حتى أن رأيت وجه طبيبتي قادمة باتجاهي من بين خالتى وأمي، اللاتي وجدتهن يتسابقن إليها... أذكر نبرة صوتها التي كانت بسيطة وهادئة وهي تقول: "إن شاء الله حامل!!"
لا زلت أذكر الدموع والزغاريد والأحضان. أذكر جيداً دموع أخي "مصطفى" التي لم أرها يوماً في حياتي، وخبأها عندما ضمني إليه فرحاً. لا زلت أذكر استقبال كم هائل من المكالمات الهاتفية، وصرختى المكتومة من خمس سنوات لكل من كان يسألني وأنا أقول: "أنا حااااااااااااااامل". لا زلت أذكر الحفل الذي أقيم لوالدتي بمناسبة تقاعدها، الذي طلب مني أن ألقي كلمة فيه لتكريمها، فوجدت نفسي أقول لها أمام الجميع، أنني أحمل لها هدية من نوع خاص هذه السنة، بدأت دموعها بالانهمار وبدأ معها التصفيق الحار من حولنا. لا زلت أذكر أني كنت ممنوعة من الخروج من المنزل في الثلث الأول من الحمل. إلا أنني خرجت مع أمي يوم رأس السنة، لشراء زينة عيد الميلاد المجيد حتى نحتفل في المنزل، حتى أنني أذكر أنه وفي نفس الوقت اشتهيت قالباً من كعكة الفراولة من محل معين في المدينة لدرجة أن أخي قام بإحضارها لي، وقام بمراقبتي بدهشة عندما فتحت العلبة والتهمت قطعة منها في يدي! وتعليق أمي له قائلة: "عادي... حامل بتتوحم!". لا زلت أذكر كل الأفلام الأجنبية التي قمت بمشاهدتها وكان فيها شخصيات حوامل مثلي... لا زلت أذكر شغفي في متابعة جميع مواقع وصفحات الأمومة والطفولة على الإنترنت. لا زلت أذكر أنني أول ما دخلت في شهري الرابع من الحمل حيث كنت انتظر بفارغ الصبر أن أخرج من المنزل، فقمت بالتسجيل في ورشة "ماريونيت" لمدة يوم واحد، حتى أن أمي قامت يومها بتوصيلي من وإلى موقع الدورة. لطالما كنت أحب الشتاء، لكن الشتاء الماضي حمل أجمل الذكريات في حياتي... وسيبقى يحمل معه أحلى الذكريات مع أولادي ولكن لن تكون بنفس إحساس ونكهة الشتاء الماضي، لأنها كانت ذكريات حلم الحمل الذي انتهى بأجمل طفلين في العالم. من الصحيح، أنهما يدفعاني أحياناً إلى الجنون، لكن النظر إلى وجههما – وهما نائمين طبعاً! – يشعرني بأن كل شيء على ما يرام ويجعلني أحس بالرضا بأنني أنجزت شيئاً ما في حياتي.