قصص أمهات
لم أكن أعلم ما بخطب ابنتي إلا أن رأيتها...
ترددت لأكتب قصتي، لكن بعدما قرأت قصص أمهات عظيمات تشجعت لأكتب عن أمور لطالما حاولت نسيانها... في يوم ٣١/٧، كان باقي على ولادتي ستة أسابيع، استيقظت من نومي وأنا أشعر بألم شديد، ذهبت إلى المستشفى وتم تحويلي إلى رفة العمليات للخضوع لعملية ولادة قيصرية. شعرت بالسعادة لأنني سأستطيع مقابلة طفلتي وأخيراً، اللحظة التي حلمت بها طوال فترة الحمل. خضعت لتخدير نصفي وكنت اترقب خروج ابنتي وسماع بكائها لأحضنها بين ذراعي، وبالفعل سمعت بكاءها إلا أنه انقطع فجأة، سكتت... شعرت بخوف شديد وطلبت من الطبيبة أن تدعني أرى طفلتي وكان ردها أنها تحتاج للدخول إلى حاضنة الخداج ولا يمكنني حملها. علمت حينها في داخلي أن ابنتي مصابة بشيء ما. تم نقلي خارج غرفة العمليات، سألت زوجي عنها إن كان قد استطاع رؤيتها وإن كانت بخير. فانهار زوجي بعد أن حاول طمأنني قائلاً إن لدى طفلتنا مشكلة في سقف الحلق والفك، تشوه خلقي يدعى متلازمة بيير روبن. كانت رد فعلي غريباً وقتها إذ قلت له: "الحمد لله حبيبي، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها". توجهت بعدها إلى غرفة الخداج لأراها، كان سبب إدخالها هناك أن فتحة الحلق تمنعها من التنفس لذا احتاجت إلى أنابيب تساعدها على ذلك، واحتاجت أنابيب أخرى لإيصال الحليب إلى معدتها لأنها لا تستطيع شربه لأنه يدخل إلى الرئة ثم يخرج من أنفها بسبب كبر فتحة الحلق.
الجميل أنني حين نظرت إليها، رأيت ملاكاً صغيراً، أحببتها كثيراً ووعدتها أنني سأقوم برعايتها مهما حدث وأنها ستعيش حياة جميلة وطويلة. بقيت أزورها في المستشفى لمدة ١٤ يوماً لحين قررت العودة إل الأردن لعلاجها. وبالفعل سافرنا وأخذتها إلى مستشفى هناك، حيث قال لي الأطباء أن وضعها صعب جداً وستحتاج لعمليات كثيرة. أولها زراعة لسان؛ كان لسانها صغيراً بسبب صغر فكها السفلي ورجوعه إلى الخلف.
مررنا بكثير من التحديات، كان عليّ التحلي بالصبر كلما حان موعد إرضاعها، كانت تشرب الحليب برضاعة خاصة، كنا نجلس لمدة ساعتين حتى تشرب ٢٠ مل فقط، وكان من الممكن وبآخر الوجبة أن يخرج الحليب من أنفها وتتقيأه. لم أتلق الدعم والمساعدة إلا من أمي وأخواتي، كان الناس يزورنني يأخذون صوراً لابنتي ويقولون: "يا حرام الله يعينك" أو "تموت وترتاحي منها"!! الله يبعد عنها الشر. كنت أنام ساعة واحدة كل ليلة، كنت أخاف أن تختنق بنومها، فأقوم بقلبها على الجوانب حتى لا تشخر أو تختنق، كنت أحتسب تعبي عند الله.
عندما بلغت شهرين من العمر حان موعد المراجعة مع طبيبها، كان لا يزال وزنها كيلوغرام ونصف. قبل الموعد بيوم قمت بإقامة الليل ودعيت ربي ألا يزيد وجع قلبي عليها. ذهبنا إلى الطبيب، قام بفحصها ثم سألني: "هل أجريت لها عمليات من قبل؟". أجبته بلا. فأجابني: "أنظري كيف أن لسانها ظاهر!". سبحان الله، الله استجاب لدعائي ولم تعد تحتاج زراعة لسان على عمر ١٠ أشهر... الحمد لله.
ومن هناك استمريت بالاعتناء بها وإرضاعها ٢٠ مل في كل وجبة لمدة ساعتين حتى بلغت من العمر الستة أشهر وبدأت أقدم لها الطعام المهروس. كنت على اتفاق مع طبيب التجميل أن يقوم بعملية لابنتي عندما يصبح وزنها ٩ كيلوغرام. صبرت كثيراً ولم أخرج من البيت إلا نادراً حتى أصبح عمرها ١٠ أشهر ووزنها ٩ كيلوغرام. كنت فخورة بنفسي أني أوصلتها لهذه المرحلة وأنها ستتمكن من شرب الحليب من زجاجة عادية عن قريب. عندما حان وقت العملية، أخبرني الطبيب أنه لن يتمكن من إغلاق الفتحة بشكل كامل من أول عملية وممكن أن تحتاج عمليات أخرى. وصلنا إلى المستشفى، كان لديها بطانية مفضلة تحب أن تضعها في فمها عند النوم، قمت بإلباسها رداء العمليات واعطيتها البطانية واستودعتها عند رب العالمين. عندما خرجت كان فمها يملأه الدم وكانت تبكي وتنادي" يا ماما... يا ماما" وأنا أبكي معها. اقترب مني الطبيب مصدوماً وقال: "هذه أول مرة أقوم بإجراء هذه العملية يتم إغلاق فتحة بهذا الكبر بكاملها ومن أول مرة!". سجدت شكراً لرب العالمين.
احتاجت ابنتي شهراً كاملاً للتعافي وكانت تشرب الحليب بسرنجة الإبرة حتى لا يلامس مكان القطب. ولكن والحمد لله بعد هذا الشهر تحقق حلمي وتمكنت ابنتي من شرب الحليب من زجاجة عادية وبدون أي مساعدة.
اليوم... عمر ابنتي ثلاث سنوات ونصف، صحتها جيدة الحمد لله، تتكلم وذكية جداً ومحبوبة من الجميع. رسالتي إلى كل أم... إن ابتلاك الله، تأكدي أنه يحبك كثيراً وأنك أم مميزة ولا تسمحي لأي أحد أن يحدد مصيرك ومصير طفلك، تجاهلي ما يقوله الآخرين وكوني قوية ولا تضعفي. عوض رب العالمين عظيم وسيأتي اليوم الذي ستنسي فيها كل الإجهاد والتعب والأوقات الصعبة.