قصص أمهات
أعترف أن في عينيكِ بريقاً وفي وجهك ضياء وضّاء
بقلم د. زينة العلمي حرزالله، أم لتوأم
كلما نظرتُ إليكِ فكرتُ... كم أنتِ سعيدة! حقاً ... كم أنتِ سعيدة....
تستيقظين بدون منبه، تستمتعين بكوب ساخن من الشاي بالنعناع الطازج وأنتِ تقرأين جريدة الصباح.
تتركين الجريدة للعبث في صفحات أصدقائك الفيسبوكية ورسائل المجموعات الواتسآبية. تتصلين بأختك الهاتف اليومي المنمق ببعض من النميمة الصباحية.
تأخذين حماماً دافئاً وتستمتعين به لِما يزيد عن نصف ساعة، وتتبعينه بكريمات ومرطبات وروائح باريسية ناعمة، تأخذين موعداً من مصففة الشعر، فتقصين شعرك وتصبغينه، وتسترخين بجلسة طويلة من المانيكير والباديكير، وتختارين لونك المفضل على أقل من مهلك.
تتصلين بصديقتك فتخرجان معاً لشرب فنجاناً من القهوة مع قطعة كبيرة من "الوافل" الشهي.
في اليوم التالي تذهبين لوظيفتك بكامل أناقتك، بالكعب العالي والأقراط الذهبية الكبيرة، والوشاح المكوي بكل دقة... تتألقين وتبدعين...
تعودين لتزوري جدتك وتفرحي بقصصها ورواياتها المعادة لألف مرة أو أكثر. تتصلين بقريبتك التي نجح ابنها بالتوجيهي فتذهبي لتزوريها وقد اشتريت هدية وغلفتها ووضعت عليها بطاقة مخططة وبالونات معبئين بالهيليوم.
وفي المساء تسترخين لتحضري فيلماً كوميدياً على روتانا أفلام، يرافقك كمية مهولة من "الشيبس" المقرمش.
في الصيف، تسافرين وتسبحين ويصبح لونك برونزياً صيفياً ولا أروع...
وأيام الجمعة تستيقظين على راحتك، وتقرأين سورة الكهف وتتدبري الآيات، وتعيدين الآية السادسة والأربعين عدة مرات، فتتحرك في روحك غريزة لاإرادية... غريزة لاإرادية
كم أنتِ سعيدة! حقاً ... كم أنت سعيدة....
وتمر الأيام... وتنتهي تلك المرحلة... فتتعرفين على"صاحب النصيب" وتتزوجين، فالزواج سنة من سنن الحياة، وهو الخطوة الرئيسة لتحقيق تلك الغريزة اللاإرادية. فتبدأ مرحلة جديدة... زوجة وبيت ورومانسية ومطبخ وكعكات شوكولاتية ذائبة وصواني لازانيا فاخرة.
كم أنتِ سعيدة! حقاً ... كم أنت سعيدة....
وتمر الأيام... وأنا ما زلتُ أنظر إليك وما زلتُ أفكر ... كم أنتِ سعيدة! حقاً ... كم أنتِ سعيدة.... ولكنني أعترف أن في عينيكِ بريقاً لم أره سابقاً وفي وجهك ضياء وضّاء... . على الرغم من أنني أرى عيونك الحمراء المنتفخة من قلة النوم. وأعرف كيف تستيقظين عند الخامسة كأنك صرتِ أنتِ المنبه! تتوضأين لتصلي الضحى، وتعيدي الوضوء مرات، إلى أن يؤذن الظهر.... تشربين الشاي البارد على الواقف وأنت تركضين. تسترقين لحظات لتسجيل رسالة صوتية لأختك التي لم تسمعي صوتها منذ أيام.
تأخذين موعداً مسبقاً لكي تستحمي حماماً لا يزيد عن العشر دقائق، وفي المساء "قد" تسنح لك الظروف لكي تستخدمي مجفف الشعر، فتسرحين النصف الأسفل، وتتركين النصف الثاني إلى أن تشاء الساعات، فصار "الموديل" المعتمد في غالب الأوقات هو "دنبة الفرس".
تتحدثين مع صديقاتك وأنت تقودين السيارة من وإلى وظيفتك... فأنت تشتاقين لهم كثيراً..... تتفقين مع والدتك أو حماتك مسبقاً لكي تذهبي لتؤدي واجب العزاء لأحدى صديقاتك المقربات. في المساء وإن سمحت لك الظروف تفضلين النوم لثلاث ساعات متواصلة عن أية نشاطات أخرى.
أيام الجمعة باتت أياماً لا تفرق عن أي يوم عادي غير أنك تحاولين أن تنتهي من قراءة سورة الكهف، فلا تكوني محظوظة بأكثر من صفحتين ولا تصلي أصلاً إلى الآية السادسة والأربعين.
ومع هذا... أعترف أن في عينيكِ بريقاً لم أره سابقاً وفي وجهك ضياء وضّاء...
عندما سألتك عن السبب... أجابتني الدموع التي انهمرت شغفاً وعشقاً:
بعد طول انتظار... تحققت غريزتي اللاإرادية، بعد طول السنوات تحققت غريزة "الأمومة" فأنا الآن أعيش أجمل مراحل حياتي وأرقاها.. أعيش المرحلة التي أن شاء الله ستدخلني الجنة.... المرحلة التي سوف تسبب لي المغفرة.... المرحلة التي حولتني إلى إنسانة رقيقة شفافة، تبكيها أسخف المواقف.... المرحلة التي تبكيني كلما تحدثت لطفلي قائلةً:
يا قطعة مني، مهما طالت الليالي بطولها، سأبقى جالسة هنا أراقب وأداعب وأهدهد قلبك بين ضلوعي، لينام دافئا آمنا... أتعرف لماذا؟
لان طول الليالي مهما طالت لا يساوي سرعة السنين وقصرها.
أحبُ حياة المراحل...