قصص أمهات
في داخل كل أنثى أم وإن لم تنجب
بقلم: ميس طمليه/ كاتبة ومعدة برامج في الشؤون العائلية والاجتماعية ًخلق الله الأنثى أما بالغريزة، تبدأ مشوار أمومتها عندما تحنو بلمساتها على خد والدتها ووالدها وهي طفلة لا تتجاوز عدة أشهر من عمرها، ومرورا بدميتها التي لا تفارقها، تطعمها وتسرح لها شعرها وتخاف عليها وتنيمها بجانبها وكأنها ابنتها بحق. وعندما تحن على اخوتها وتحمل همومهم منذ نعومة أطفالها، وعندما تلتقي بشريك حياتها التي تبحث فيه رجلها الطفل التي تسعد عند تلبية طلباته كالطفل بين يديها، وتقول "كل رجل هو طفل كبير". إلى أن تحمل طفلا بين يديها وتضمه على صدرها وتحنو عليه بلمسات يديها وبدموع عينيها ولو لم يكن طفلها من لحمها ودمها... لأن داخل كل أنثى أم وإن لم تنجب أطفالاً. شعور لا يوصف أحس به عندما أحمل "عمر" ابن أختي بين يدي وأقبّله وأضمه إلى صدري... عندما ولد عمر وحملته لأول مرة بعناية شديدة لئلا أسقطه لأنه ما زال ضعيفا وخفيفاً... نظر إلى عينيّ واشتكى لي أنه ليس بخير، لم أدرك الأمر في البداية وأخذتني فرحتي بحمله ونظرت إلى والدتي التي كانت تجلس إلى جانبي ولكنه أصر أن يشتكي لي تعبه وضعفه وأزاح بيده الصغيرة وجهي نحوه وأعاد شكواه. عندها أدركت أنه يريد أن يقول لي شيئاً ويخصني به ليقينه أنني سأساعده، وفعلا قلت لوالديه أنه يتألّم وأخذاه إلى المستشفى ولم يكن عندها بخير فعلاً؛ فقد كان يعاني من آلام شديدة في معدته.
شعور لا يوصف أحس به عندما أحمل "عمر" ابن أختي بين يدي وأقبّله وأضمه إلى صدري...
ومنذ ذلك اليوم نسجت علاقة خاصة جداً بيني وبين "عمر"، فأصبحت له أماً ثانية أحس به فعلاً بحاستي السادسة عندما يكون بخير أو عندما يصيبه شيء ما، وأتصل فورا بأختي لأطمئن عليه. "عمر" ذلك المخلوق الصغير هو من غيرني وجعل مني إنسانة أفضل... علّمني أن أعيش اللحظة بحلوها ومرها وألاّ أترك أي شيء يسرق ضحكتني ويعكر مزاجي، وأنه مهما يحدث سيظل هناك أمل. علّمني التسامح مع الجميع؛ عندما كان أخي يداعبه ويخيفه أحياناً، كان "عمر" يسامحه ويعود ويضحك معه ويناوله ليشاركه لعبته بعد خمس دقائق.
علّمني ألا أستسلم وأن أحاول من جديد، وعلّمني أن أطلب المساعدة حين أحتاجها، وعلّمني أن أحب بحب لا مشروط.
باختصار "عمر" أكمل أنوثتي، "عمر" علّمني أن بداخل كل أنثى أم ولو لم تنجب. كل عام وكل أنثى بخير...