قصص أمهات
ألم الفقدان في الغربة بعيداً عن الأهل
توفيت جدتي العزيزة في فلسطين. ظننتُ أن ألمي على فراقها لن يكون شديداً نظراً لغربتنا طوال عمرنا عن أرض فلسطين وعن الأهل والأقارب، ولكنني كنت مخطئة. لقد تألمت كثيراً، وبكيت كثيراً جداً فوق ما كنت أتصور.
فمنذ غربتي المضاعفة بعد سفري وزواجي أصبحت أتحدث مع عمتي وجدتي بصورة أكبر مما كنت عليه وأنا في الأردن مع أهلي، وبدأت أستمتع بشعور الفرحة حين تتذكرني عمتي وجدتي وتتصلان بي، وأرى فرحة جدتي بأبنائي وهي تدعو لنا بأطيب الأدعية، التي تُشعر المرء بأنه سيكون من الصالحين وسيدخل الجنة حتماً فقط من شدة صدق دعائها له. رحمكِ الله يا جدتي.
بعد أن أتاني خبر وفاتها كان أول من فكرت فيه ابنة عمي المغتربة مثلي. تواصلنا، ورحنا نبكي معاً عبر الهاتف كل منا في بلد، وكل منا تبكي لأننا لم نستطع زيارة جدتي منذ زمن، ولأنها لم تحتضن أبناءنا بعد.
هذه التفاصيل الصغيرة الحميمة توجع القلب، وليس من السهل أن يفهمها أي شخص.. تمنيت لو تمكنت من السفر لأقابل جدتي، أو لو سألتها على الأقل بعض الأسئلة التي لا تزال ببالي، لكن الموت لا ينتظر أحداً.. قررت أن أسكب مشاعري في مقالٍ لعل غيري يجد فيه دافعاً للتواصل مع أقارب أحباء فلا يتأخر عليهم.
لا تنتظروا طويلاً
يظن المرء أن أمامه دهراً من الزمن للتواصل مع من يريد من أهله وأصحابه، ومناقشة الأمور العالقة أو القضايا التي لم تنتهِ معهم، خصوصاً من الأقارب، سواءً كانوا قريبين مكاناً أم بعيدين. وفي الحقيقة لا أحد يدري متى ينتهي كل هذا.
سواءً كان العائق اغترابنا عنهم في بلاد أخرى أو عدم القدرة على الاتصال المباشر كما هو الحال هذه الأيام مع جائحة الكورونا أو الوفاة، لا تنتظروا! اتصلوا بأقاربكم وأحبابكم وتحدثوا إليهم عما يشغل بالكم.
أبقوا المغتربين على دراية
حين مرضت جدتي أخبرتني أمي وعمتي بذلك، وحتى حين تعبت كثيراً اتصلت بي عمتي بالفيديو لأرى جدتي رغم تعبها. تمكنت من البكاء على ضعفها، ومن معايشة يعض اللحظات من آخر أيامها، ولعل في ذلك بعض العزاء لي: أنني بقيت على اتصال بها، وسمعت صوتها فرحةً برؤيتي حين اتصلت بها أطمئن عليها.
في المقابل ما زلت أذكر قصةً أخبرتني بها أمي، حين توفت جدة أبي التي كان يحبها كثيراً ولم يجرؤ أحد على إخباره في الغربة، ولم يعرف بوفاتها إلا بعد عامين حين قال أحدهم أمامه "رحمها الله". أظنها يقيت حسرةً في قلبه مدة طويلة، رحمه الله.
أخبروا أحبابكم أنكم تحبونهم
لا تنتظروا لحظات التعب والمرض والألم. أكثروا من الكلمات الطيبة الرقيقة باقية الأثر، وأخبروهم كم يعنون لكم، وأخبروهم بالمواقف التي تذكرونها لهم وكم أثرت فيكم إيجاباً وكيف غيرتكم.
سواء كان أولئك الأقارب كباراً في السن أو من جيلكم أو حتى أصغر منكم: أخبروهم كم يعنون لكم، وكم هم مهمون في حياتكم. وأخبروا أصدقاءكم بذلك أيضاً
اكتبوا قصصكم معاً والتقطوا الصور
أتذكر أنني كنت فترةً أكتب كل ما أمر به في دفتر لديّ، وحين وجدته وجدت بعض اللحظات الجميلة القديمة موثقةً فيه. إن كتابة المذكرات عادة جميلة وصحية.
وفي اللحظات الصعبة بعد الفراق، يكون من الجميل العودة إلى بعض الذكريات المكتوبة أو الصور التي تحتفظ بذكرى لحظاتٍ جميلة، والدعاء لأصحابها أينما كانوا.
المسامحة والدعاء والصدقة
لا أحد كامل. من المؤكد أننا أخطأنا في حق أحبابنا كما يخطئون هم في حقنا أحياناً دون قصد أو دون علم، وهنا، فالمسامحة تأتي لتتوج العلاقة وتمحو الذنوب عن أحبابنا.
كما أن الصدقة والدعاء من بقية عمل المرء الصالح في الدنيا، فلا تنسوا أحبابكم بدعاءٍ أو بإخراج بعض المال للفقراء والمحتاجين وإهدائهم أجره.
اللهم اغفر لأحبابنا الموتى والأحياء وارحمنا برحمتك.. واجعل لنا من يذكرنا بالخير ويدعو لنا حين نعود إليك. إنا لله وإنا إليه راجعون.