قصص أمهات
حكايات أم الأولاد: في بيتنا ADHD!
كتبته وعاشته: مي نجم الدين، أم لتوأم
لم أكن أتخيل أن مسلسلاً يتم عرضه فى رمضان هذا العام يمكن أن يكون سبباً من الأسباب التي رفعت الحرج والضغط عني وعن أمهات أخريات عددهن ليس بقليل، وزادت من جرأتنا في مواجهة مجتمع يظلم أطفالنا وأحيانا يظلمنا في كثير من المواقف!
فما حدث للطفلة تيتو فى مسلسل "خلي بالك من زيزي" لا يختلف كثيراً عما حدث لمروان وسليم أولادي التوأم، فقد كان تطور حالة تيتو لزيزي بطلة العمل هو الكابوس نفسه الذي يطارد الكثيرات من الأمهات إذا لم يكتشفن مبكراً أن أبناءهن يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).
قبل الدخول فى تفاصيل التجربة دعونا نتفق أنه ليس مرضاً ولكنه اضطراب سلوكي، ولن أطيل عليكم بالشرح. تحدث كثيرون في مواقع التواصل وغيرها عن معنى هذا الاضطراب وعلاماته، وأن هناك فرقاً كبيراً بين أن يكون طفلي عنيد وكثير الحركة بين وأن يكون لديه هذا الاضطراب.
فالطفل ببساطة يكون مثل شخص يسمع خمسة أشخاص حوله يتكلمون فى نفس الوقت وبنفس نبرة الصوت، فيشعر أنه مشتت ويحاول أن يسمع الخمسة أصوات والأوامر الصادرة عن كل منها، ولكنه لا يستطيع في النهاية سماع اي منها!
جاءت الصدمة..
حكايتنا بدأت عند بلوغ طفليّ العامين وبضعة أشهر، لاحظنا نشاطهم المفرط وحركتهم الدائمة، لكن هذا الأمر لم يقلقني بل على العكس كنت أعتبره أمراً عادياً تماماً.
لكن المشكلة بدأت عند اقترابهما من عمر الثلاث سنوات، كانا لا يستطيعان الكلام ولا يستجيبان لكل محاولاتنا في ذلك، ولكنهما كانا في ذات الوقت يحفظان أغاني الكرتون وأناشيد الحروف الهجائية.
فذهبنا إلى طبيب الأطفال الخاص بهما، والذي بدوره فحصهما طبياً وتأكدنا أنه لا يوجد لديهما ما يمنع الكلام من ناحية عضوية، ثم توجهنا لاختصاصي التخاطب الذي كان يراقب حركاتهما العشوائية مع تركيزه فى إجاباتي على أسئلته فيما يخص التاريخ المرضي لي ولوالدهما وتفاصيل الولادة والروتين اليومي لنا مع التوأم.
حتى جاءت كلماته صادمة كأنها لغز خطير، حين قال أطفالك يعانوا من فرط الحركة وتشتت الانتباه! طبعا لم أفهم حينها ما يقوله، حتى والدتي التي كانت معي فى كل خطواتهم لم تسمع عن شئ كهذا من قبل، وبدأ يشرح معنى هذا الاضطراب الذي كان عاملاً قوياً ومؤثراً لتأخر الكلام عند الأطفال.
ثم شرح أسبابه التى كانت تحمل أكثر من احتمال؛ إما يكون السبب هو جلوسهم أمام التلفاز لساعات طويلة خلال اليوم، وسوء حظهم في عدم وجود يكبرهم ويتكلم معهم باستمرار أو وجود تاريخ لمرض نفسي لأحد أفراد العائلة، وللأسف الأسباب الثلاثة كانت متوفرة ولكن السبب الأول كان الأرجح بالنسبة لي، فقد كان خطئي كغيري من الأمهات حين كنت أضع اطفالي معظم ساعات اليوم أمام التلفاز ريثما أنجز واجباتي المنزلية، وكنت أتخيل أن التحكم بما يشاهدونه من مواد ترفيهية تناسب عمرهم سيكون مفيداً وليس فيه أي نوع من الضرر، رغم وجود وقت حر يومياً أقضيه معهما في حل البازل والرسم واللعب بالصلصال.
لم أتقبل الأمر في البداية..
تركنا عيادة الاختصاصي ولم نقتنع سوى بفكرة ذهابهما إلى الحضانة بانتظام، فلم نكن أنا وأمي نشعر أن هناك شيءٌ يسمى فرط حركة وتشتت انتباه، وهو إن وجد قطعاً لا يعاني منه طفليّ!
وبالفعل ذهبا إلى الحضانة لتكتمل المعاناة..
حيث تقدما في كل شئ ماعدا الكلام، وبدأت المشكلة تتزايد حين كثرت شكوى مديرة الحضانة منهما ومن عدم استجابتهما للأوامر، مبررة ذلك كغيرها من الناس أن هذا بسبب تدليلهما المفرط!
ومن حضانة إلى أخرى بدأ الوضع يزداد سوءاً وبدأنا نقتنع أن هناك خللاً حقيقياً يجب التعامل معه!
تحسن طفيف..
لكن الصدفة قادتنا لصديق أخي الذي يعمل كاختصاصي تخاطب وسلوك، وحين رأيت أنه يبسط الأمور ويعطي حلولاً شجعني ذلك على الاتفاق معه على إعطائهما جلسات تخاطب وسلوك في البيت مرتين في الأسبوع، وبالفعل حدث تغيير كبير وملحوظ فى الشهر الأول.
بدأ طفلي يتعرفان إلى أسماء بعض الخضروات والفاكهة وينادوننا بأسمائنا، لكن هذا التحسن عاد للانحدار بعد حوالي ثلاثة أشهر، واستمر الوضع كذلك حوالي سبعة أشهر حتى ذهبنا إلى عيادة طبيبة شهيرة ومتخصصة رشحتها لي صاحبة الحضانة.
ومن أول مقابلة أشارت الطبيبة أن سليم يعاني من التوحد لمجرد أنه يلعب بسيارة صغيرة حول مكتبها ولكنها حين شعرت بصدمتنا قالت أن ما يحسم ذلك اختبار لقياس نسبة التوحد، أما مروان فقد كان واضحاً أنه يعاني من فرط الحركة وتشتت الانتباه وقمنا بعمل اختبارات للولدين بينت أنهما يعانيان من فرط الحركة وتشتت الانتباه من الدرجة المتوسطة، وأن سليم لا يعاني من التوحد ولكن لديه طيف او سمات قليلة.
وتم وضع برنامج تأهيلي لكل ولد يتضمن جلستين أسبوعياً؛ إحداهما جلسة تخاطب مع طبيبة لطيفة جداً ساعدت طفلي فى البداية، وكانت الجلسة عبارة عن كلام واستخدام للكروت الناطقة أو ما يسمى بالفلاش كارد، والجلسة الاخرى كانت جسلة سلوك مع اختصاصية في هذا المجال، وهي عبارة عن فك وتركيب مكعبات وبازل واستعمال أكبر لأيديهم.
دوري الجديد لمساعدة طفليّ..
التطور كالعاة كان مرضياً خلال الشهر الأول لنا جميعا، وكان دوري التكميلي في ذلك أن أتحكم في غلق التلفاز وتشغيله ساعة واحدة فقط متقطعة طوال اليوم، إلى جانب التحدث إليهما ومراجعة الفلاش كارد التي يشاهدونها مع الاختصاصية، وتعليمهم التعبير عما يريدانه سواءً كان طعاماً أو ماءً أو أي شئ آخر بكلمة مثل: ألعب، أشرب، آكل..
وأيضاً بعض النشاط الحركي فأخليت غرفة في البيت وكنت أجري مسرعة وهم ورائي كالقطط الصغيرة لمدة 3 دقائق ذهاباً وإياباً وأحيانا أنزل بهما إلى السوبر ماركت لنشتري من البقالة ونتعرف على علب الحليب وأكواب الزبادي، وفي طريقنا نلعب مع الكلاب في الشوارع ونتعرف على الأشجار وأشكال وألوان السيارات.
وكعادتي تحمست فى البداية، ولكن للأسف مركز العلاجضعفت عزيمي بعد أن بدأت طبيبة التخاطب تتغيب كثيراً فى الفترة التي بدأ فيها مروان يفقد الاتصال البصري بينه وبين أي شخص يتكلم معه فيتجنب النظر إلى عيني من يكلمه، ثم قاموا بتغيير الطبيبة وبدأنا نيأس مرة أخرى حتى انقطعنا عن المركز ولكن لم ننقطع عن الرحلة المليئة بالأحداث، التي كان أسوأها على الإطلاق فترة التقديم للمدارس.
يتبع...