قصص أمهات
أم ريادية أسست مشروعاً ليواجه أطفالها تحديات الحياة
مقابلة مع دينا بركات- أم لثلاثة أطفال وصاحبة مشروع The Youth Journal
أجرت المقابلة لين مخيمر من فريق أمهات360
الأمومة ليست مجرد واجب أو مجموعة من المسؤوليات التي تتحملها المرأة في مرحلة معينة من حياتها، بل هي طريقة حياة، شيء يغير نظرتك إلى كل ما كنت تفعلينه من قبل، هي أحاسيس وتجارب جديدة تختبرينها لأول مرة وتمنحك طعماً آخر للحياة.
واليوم صرنا نرى الكثير من الأمهات في جميع أنحاء العالم، وقد صرن مبادرات ورائدات أعمال ومتمكنات في مجتمعاتهن، وقد استلهمن من رحلتهن مع الأمومة ما أعطاهن الدافع للاستمرار وإعطاء المزيد.
ودينا بركات هي واحدة من هؤلاء الأمهات، هي زوجة تبلغ من العمر 37 عاماً وأم لثلاثة أطفال هم: ماسة (11 عاماً)، سيرين (8 أعوام)، سيف (عامين).
تماماً كأي امرأة أخرى طموحة، أكملت دينا دراستها الجامعية وعملت في مجالها إلى أن أصبحت أماً!
حتى أدركت أهمية الدور الذي تلعبه كأم في حياة أطفالها، وأنها يجب أن تكرس المزيد من الوقت لتقضيه معهم وإلى جانبهم في السنوات الأولى من حياتهم، فقررت أن تغير من طبيعة ومجال عملها، لتعمل كمعلمة مدرسة.
وما كان منها بعد ذلك إلا أن استمرت في تحقيق شغفها بتعلم أشياء جديدة تساعدها في مشوار الأمومة والتربية لتتشئة أطفالها، فاستطاعت أن تقدم للأطفال في الوطن العربي مفهوماً تربوياً وتعليمياً جديداً هو عقلية النمو "Growth mindset".
وهي الآن تحاول نشر هذا المفهوم والطريقة التي يعتمدها لتحسين مهارات الأطفال الحياتية من خلال مشروعها "The Youth Journal".
تحدثت إلى دينا عن مشروعها المميز، والتحديات التي واجهتها منذ أن بدأت به، وكيف يمكن لهذا المفهوم حقاً أن يساعد الأطفال في فهم حياتهم بشكل أفضل والتعامل مع كل ما يعترضهم فيها مهما كان مختلفاً وربما صعباً.
-
كيف تنظرين إلى الأمومة؟ وما هي أهم التحديات التي واجهتك مع أطفالك؟
الأمومة هي أكبر تحدٍ يمكن لأي امرأة أن تواجهه في حياتها، ممزوجاُ بأنقى عاطفة على الإطلاق وهي الحب غير المشروط الذي نمنحه لأطفالنا، ونتفانى في إعطائه لهم كل يوم.
وأكبر تحدٍ بالنسبة لي كأم لثلاثة أطفال يتمحور حول تعليمهم كيف يختارون ما هو مفيد وجيد لهم ولتطورهم، وكيف يحققون التوازن بين احتياجاتهم ورغباتهم في هذه الحياة.
بالإضافة إلى تعليمهم كيف يكونون واعين وممتنين لكل ما يملكونه في هذه الحياة.
-
بالحديث عن المهارات الشخصية للأطفال، ما الذي دفعك للبحث عن مفاهيم جديدة ومتطورة للتعلم مثل مفهوم "عقلية النمو"؟
لأكون صادقة، لقد حاولت في البداية أن أعمل على تطوير مهاراتي الشخصية كأم، كنت أبحث دائما عن طرق تساعدني على التأقلم، لأبقى قوية وإيجابية ومتفائلة بالرغم من كل الصعوبات التي تواجهني، سواءً في مكان عملي أو في منزلي وأنا أربي أطفالي، أو في تعاملي مع العائلة والأصدقاء.
في عام 2018، كنت أبحث عن مصادر مختلفة لمساعدتي في تحفيز ابنتي الكبيرة على تقبل التحديات الجديدة التي بدأت تواجهها وهي في عمر التاسعة، وهو عمر صعب وحساس، فهو النقطة الفاصلة بين مرحلة الطفولة وما قبل المراهقة، وهو أيضاً ما جلب علي وعليها الكثير من الضغوطات.
عندها تعرفت إلى مفهوم "عقلية النمو"، الذي قرأت عنه الكثير لأجد أن هناك الكثير من المواقع المختلفة التي تشجع وتساعد على بناء هذا المفهوم لدى الأطفال الصغار.
فاشتريت القصص والمطبوعات والمجلات المتعلقة بهذا المفهوم، وبدأت بتطبيقه في منزلي مع طفلتي مدة عامين.
-
بكلمات بسيطة ومختصرة، ما هي "عقلية النمو"؟
هي الطريقة التي تدرك بها عقولنا دواخلنا والعالم من حولنا.
تم تطوير المفهوم في البداية من قبل عالمة النفس الدكتورة كارول دويك، التي تقول بأن "عقلية النمو" هي عندما نؤمن بأن قدراتنا وإدراكنا وفهمنا للأمور يمكن أن تتطور بالجهد والعمل الجاد، وباستخدام الطريقة والاستراتيجية الصحيحة.
وتعرف الدكتورة دويك نوعين من العقليات: عقليات النمو والعقليات الثابتة، على سبيل المثال، يعتقد شخص لديه عقلية ثابتة أن بعض الأطفال يولدون بصفات معينة، كالذكاء أو الصبر أو الطيبة، والبعض الآخر ليسوا كذلك، أو أنهم يحتاجون إلى فعل الكثير ليكتسبوا هذه الصفات، هذا الشخص غالباً سيستسلم عندما يواجهه تحدٍّ صعب، قائلاً لنفسه: "أنا لست ذكياً بما يكفي!".
في المقابل، يعتقد شخص لديه عقلية النمو أن لديه القدرة على مواجهة أي تحدٍّ والتغلب عليه، فهو يتقبل الفشل ولديه الشغف لتعلم أشياء جديدة.
عقلية النمو أظهرت أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإنجازات وتحقيق السعادة والراحة في الحياة، كما أنها تبني الثقة واللطف والإرادة القوية لدى أطفالنا، وتجعلهم ممتنين لكل ما يعترضهم لأنهم يرونه فرصة لهم للنمو والتطور.
-
أخبرينا عن مشروعك "The youth journal"، كيف بدأ؟ وما هي المراجع التي اعتمدت عليها لتقديم هذا المفهوم الجديد للأطفال العرب؟
بعد تجربة استراتيجيات عقلية النموالمختلفة في المنزل من خلال الأنشطة والكتابة، أحببت الأثر الذي رأيته على تفكير طفلتي، وكان أكثر جزء أحببته هو جزء الكتابة!
ثم فكرت، لماذا لا يتم تطبيق هذا المفهوم في مجموعات صغيرة في عمان تستهدف الأطفال الصغار؟!
فأخذت دورتين تدريبيتين معتمدتين عبر الإنترنت حول "عقلية النمو"، وعن علم نفس لدى الأطفال. حصلت أيضاً على ترخيص من مؤسسة "Big Life Journal"، مما أتاح لي الوصول إلى المواد الخاصة بهم عن "عقلية التطور".
كان هذا عندما بدأت مبادرتي الخاصة التي أطلقت عليها اسم "The Youth Journal"، لأنها تستهدف الأطفال والمراهقين الأوائل وتأخذهم في رحلة لتطوير عقلياتهم وتنميتها.
كانت خطتي أن أنشئ ورشة عمل للأطفال وقمت بتجهيز كل شيء لذلك، لكنني اضطررت أن ألغي خططي بسبب فيروس كورونا!
فانتقلت للخطة الثانية وقررت أن أبدأ عبر الإنترنت بمواد تقدم مفهوم عقلية النمو وبعض أنشطته للأطفال وأولياء الأمور. فأنشأت صفحة خاصة بي على إنستغرام، وبدأت بنشر مقدمات بسيطة باستخدام المنشورات ومقاطع الفيديو. وخلال هذا، كنت أعمل أيضاً على تجهيز أول مجموعة لأدوات ووسائل عقلية النمو للأطفال "Growth mindset kit".
-
ماذا تتضمن مجموعة عقلية النمو التي أعددتها؟ وما هي القيم والصفات التي ترغبين بترسيخها في أذهان الأطفال من خلالها؟
إن هذه المجموعة هي فقط البداية لتعريف الأهالي وأطفالهم بأهمية بناء هذه العقلية في عمر مبكر، فهي ستساعدهم في فهم الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا وكيف يمكن لها أن تتطور وتنمو كلما تعلمنا أكثر.
وتتضمن المجموعة:
-
قصة تتحدث إما عن الصحة العاطفية للطفل، أو عن قيمة معينة مهمة في الحياة، أو عن الأمور التي يمكن أن يقوم بها الطفل للتعامل مع موقف صعب. وتتنوع القصص بناءً على ذلك.
-
مجموعة من النشاطات المتنوعة.
-
لعبة تشجع على الإيجابية من صنعي الخاص.
-
ملصقات للأطفال.
-
مواد أخرى تحتوي على اقتباسات تحفيزية تعزز ثقة الطفل بنفسه.
هدفي الأساسي من وراء هذه المجموعة هو أن يفهم الأطفال مشاعرهم وأحلامهم وأهدافهم فيسعون لتحقيقها، أريد لهم أيضاً أن يدركوا أن لأدمغتهم قوة مذهلة على التقدم والتطور لا يستهان بها.
وأهدف أيضاً إلى تمكينهم من إيجاد استراتيجيات مختلفة لحل أي مشكلة قد يواجهونها.
وواحد من أهم الأشياء التي أريد للأطفال أيضاً أن يتعلموه هو مبدأ "the power of yet" كما استخدمته الدكتورة دويك وأكدت عليه، وهو عندما يقول الطفل "أنا لا أستطيع أن أفعل هذا حتى الآن"، فيترسخ في ذهته أننا نحن البشر يمكننا أن نستمر في التعلم والمحاولة برغم كل الصعوبات.
-
هل تتوفر المجموعة باللغة الإنجليزية فقط أم أن هناك نسخة عربية قادمة؟
تتوفر القصص واللعبة باللغتين العربية والإنجليزية ويمكن للوالدين اختيار اللغة التي يفضلونها.
إلا أن الأنشطة تتوفر باللغة الإنجليزية فقط، ولكني أعمل على إنشاء مواد باللغة العربية باستخدام مراجع أخرى.
وأنا بصدد إنشاء أنشطة خاصة بمشروعي "The Youth Journal" تكون مبتكرة ومتاحة باللغتين.
ستتضمن الأنشطة الجديدة عنصراً ممتعاً جداً يتعلق بجزئية الكتابة، لن أتحدث عن أي تفاصيل أكثر الآن، آمل أن يكون جاهزاً بحلول الشهر القادم.
-
عندما جربت هذه المنهحية في التعلم مع أطفالك، ما هي التطورات التي لمستها في شخصياتهم وتصوراتهم عن الحياة؟
كان هناك العديد من التطورات التي رأيتها في أطفالي بعد تطبيق هذا المفهوم، فلاحظت محاولاتهم المتكررة لتحقيق ما يريدون بالرغم من كل الخيبات التي كانت تواجههم، سواءً في المدرسة أو خارجها.
ورأيتهم أيضاً متحمسين أكثر لإظهار لطفهم وتعاطفهم من خلال العديد من الأنشطة التطوعية التي كانوا يشاركون بها، وأحببت أيضاً أنهم قاموا بإنشاء مجلاتهم الخاصة التي كانوا يشاركونني من خلالها مشاعرهم وأفكارهم.
في الوقت الحالي، أنا أعمل مع أطفالي من أجل تعزيز قدرتهم على تقبل ما يعترضهم وثقتهم بأنفسهم وامتنانهم لكل ما يجري في حياتهم، وذلك عن طريق القراءة والنشاطات المختلفة في المنزل.
هناك أمر آخر أود التأكيد عليه هنا، وهو أن هناك 3 عوامل رئيسية ضرورية من أجل الحصول على عقلية نمو حقيقية لدى أطفالنا وهي: الوقت والعمر وكوننا كأمهات وآباء مثال يُحتذي به بالنسبة لأطفالنا.
فكلما بدأنا باكراً في تطوير هذه المهارات العقلية لدى أطفالنا، كلما وجدنا نتائج أفضل، وهذا أمر اختبرته أنا شخصياً، فالأثر الذي رأيته في ابنتي الصغيرة التي تبلغ من العمر 8 أعوام الآن كان أوضح في طريقة تفكيرها وتصرفاتها من ذلك الأثر الذي رأيته في ابنتي الأكبر.
وإن أي فعل أو تغيير يحتاج إلى الوقت والصبر مع الاستمرارية في تطبيقه، حتى نتمكن من رؤية النتائج على أطفالنا وتصرفاتهم وطريقة فهمهم الإيجابية للحياة.
إضافة إلى ضرورة كوننا كأهل نموذجاً يحتذي به أبناؤنا، وذلك عن طريق تبنينا لنفس عقلية النمو التي نعلمها لأطفالنا، من أجل إحداث تغيير حقيقي لنا ولهم.