قصص أمهات
تشخيص واحد لطفليهما جمع أمهات اثنتين لدعم أطفال آخرين
لغة جديدة، ثقافة جديدة ومنظور جديد للحياة.. كلها جوانب تصاحب الانتقال لبلد جديد. كان الانتقال بالنسبة إلينا (جينيفير وجينيسيس) وعائلتينا مغامرة حقيقية، أمريكيتان انتقلتا للعيش في عمّان والاستقرار بها، إلا أننا لم نتوقع أن مرض مناعي واحد سيغير حياتنا إلى الأبد!
قصة جينيفير مع تشخيص ابنتها نورا
قبل سبع سنوات تركنا حياتنا في اليمن، حيث كانت الحياة مليئة بالمطبات، لكننا محظوظون، فقد وجدنا في عمان الملاذ الآمن، فهي مزيج مثالي من الثقافة العربية الغنية بالعادات والتقاليد المميزة مصحوبة بسهولة الوصول للخدمات ووسائل الراحة، أمور لم نكن نجدها في اليمن. فتمكنا من الاستقرار في منزلنا بسعادة أنا وزوجي وابنتنا نورا، مع جيران اعتبرهم من ألطف الناس الذين قابلتهم في حياتي.
ولكن كان القدر يخبئ لنا المزيد في جعبته، فبعد مرور عام واحد وبضعة أشهر، تغيرت حياتنا للأبد مجدداً!
بعد أسابيع قليلة من ولادة ابنتنا الثانية "داليا"، لاحظنا أنا وزوجي أن نورا -التي كانت تبلغ من العمر 3 سنوات حينها- تشرب كميات كبيرة من الماء، وتقوم بالتبول في ملابسها، على الرغم من تدريبها على استخدام الحمام (تعد هذه مؤشرات الإصابة بمرض السكري)، ولكن هل تعرفون ما قاله طبيب الأطفال عند تشخيصها؟
"نورا تعاني من الغيرة فقط، ويجب قضاء المزيد من الوقت معها، وسوف تمر هذه الحالة المؤقتة".
وبما أنه طبيب، كيف لنا ألا نصدقه؟ قررنا أن نأخذ رأي طبيب آخر في أمريكا بما أننا كنا نحضّر لإجازة العطلة الصيفية إلا أن نورا لم تصمد حتى نصل!
كنا في الطائرة ما بين لندن وفينيكس، ودخلت نورا في غيبوبة على متن الطائرة، وتبين بعدها أنها كانت تعاني من الحماض الكيتوني السكري (DKA) وهو من أخطر مضاعفات لمرض السكري. تخيلوا أنه لم يكن بمقدور أي أحد على متن الطائرة أن يفعل أي شيء، كل ما كان بمقدوري فعله هو مراقبة شاشات تتبع الرحلة، آملة أن نهبط في كندا كانت أقرب نقطة للهبوط. وللعلم، لا زلت أجد صعوبة في مشاهدة تلك الشاشات حتى بعد مرور ست سنوات.
وعلى الرغم من أنني لا أذكر كافة التفاصيل، إلا أنني أذكر شعوري والترقب والخوف، والأشخاص الطيبين الذين عرضوا مساعدتهم، فلم يكن زوجي معي حينها.
أذكر تلك السيدة التي حملت طفلتي البالغة من العمر 5 أسابيع لمدة خمس ساعات حتى لا أشغل بالي بها، والرجل الجالس بجانبي الذي قدم الطعام لي، وساعد في حمل الأمتعة، والطبيب على متن الطائرة الذي ساعد في اتخاذ القرار النهائي بهبوط الطائرة الاضطراري.
وبعد ذلك أذكر طبيب الطوارئ الذي كان يقف بجانبي، ويخبرني أنها مصابة بالسكري من النوع الأول، بينما ينظر كلانا إلى نورا وهي مستلقية في سريرها، وهي متصلة بالعديد من الأنابيب والأجهزة.
بالطبع كان السؤال الأهم هو: "لكنها ستكون بخير، أليس كذلك؟"، فنظر الطبيب إليّ بطرف عينه مجيباً: "أتمنى ذلك!"
فقد كان مستوى جلوكوز الدم لدى نورا أكثر من 900 ملجم/ ديسيلتر، المستوى الطبيعي لنسبة الجلوكوز في الدم 80-180 ملجم / ديسيلتر. وكان اختبار الهيموغلوبين السكري (A1C)، وهو أحد أنواع تحاليل الدم الشائعة المستخدمة لتشخيص النوع الأول والثاني من داء السكري، 13.9%. وكانت لديها فرصة 50/50 للبقاء على قيد الحياة. (A1C المقبول للأشخاص المصابين بداء السكري هو 6.5٪، ولغير المصابين جب أن يكون أقل من 5.6٪).
كما أن طفلتي كانت تعاني من الجفاف نتيجة الحماض الذي أصابها في الطائرة، حتى أنهم لم يستطيعوا سحب عينات الدم من ذراعيها، وكان عليهم استخدام أصابع قدميها عوضاً عن ذلك. ولا يمكنني أن أنسى المرة الأولى التي شعرت فيها نورا بالألم من الوخزات بقدمها فغضبت بشدة ولم أتمكن سوى من البكاء فرحاً أنها عادت إلينا أخيراً!
بقدر ما كانت تلك اللحظات مروعة، إلا أننا محظوظون فقد كانت تحت رعاية أروع الممرضات والأطباء، فنجحت نورا في تجاوز هذه الأزمة، وبعد خمسة أيام خرجنا من المستشفى، وبدأت رحلتنا الحقيقية!
قصة الأم جينيسيس وتشخيص ابنها آدم
بدأ كل شيء قبل 15 عاماً، وكانت الأوقات مختلفة حينها، فقبل أسابيع قليلة من عيد ميلاد آدم الثالث، بدأ في تبليل سريره ليلاً، وقد رأيت أن هذه نكسة بعد تدريبه على استخدام الحمام، واعتقدت أنني لم أعطه اهتمامًا كافيًا؛ لأنني كنت أقوم أيضًا بتدريب شقيقه الأصغر، فليس هناك فارق كبير بينها بالعمر.
لم أفكر في الأمر كثيرًا؛ فقد كنت أشعر بالإحباط لانتكاسه، ولم أذكر الأمر للطبيب مطلقًا؛ اعتقدت حينها أنني ارتكبت خطاً بتدريب كليهما بنفس الوقت!
إلا أن الأعراض تتالت، فأصيب آدم بأعراض تشبه أعراض الأنفلونزا، كان يبدو عليه المرض، وكان يغفو باستمرار دون سبب واضح. حينها علمت أن الأمور ليست على ما يرام. وفي كل مرة كان الطبيب يطمئننا بأنه فيروس فقط، ويمكن علاجه بالمضادات الحيوية.
هل كنت أبالغ في ردود فعلي؟ الأطباء جعلوني أشك بما ألاحظ وأشعر، إلا أنني لم أتوقف عن التفكير والقلق من المؤكد من أنه يعاني من شيء آخر غير الفيروسات!
بعد عدة زيارات للأطباء، بت قلقة للغاية لدرجة أنني اتصلت بوالدتي لأشكو لها همي. وقالت لي: "يبدو أن آدم مصاب بمرض السكري وعليكِ إقناع الطبيب القيام بالفحوصات اللازمة.". لم يقتنع الطبيب، فور معرفته أن تاريخنا المرضي أنا وزوجي يخلو من السكري، أخبرني أن أنسى الموضوع.
بدأت ألاحظ خسارة آدم لوزنه، وأصبح يتقيأ الماء من كثرة شربه له (اثنتان من العلامات التحذيرية الأربعة لمرض السكري من النوع الأول)، مما جعلني اتصل بالطبيب وأنا منهارة من البكاء، وأخبرته بما يحدث معه. فطلب مني التوجه سريعاً إلى المستشفى، وأعتقد أن الطبيب أدرك بعد ذلك أن آدم مصاب بالسكري.
كان مستوى السكر في دمه مرتفعًا لدرجة أنه مكث أسابيع في المستشفى للسيطرة عليه، وقد قيل لي أنه إذا لم أحضره في ذلك اليوم لكان قد مات.
في ذلك اليوم، تغيرت حياتنا إلى الأبد!
الحياة مع مرض السكري من النوع الأول - لا ينبغي لأحد أن يحاربه بمفرده
ما حدث معنا أثناء رحلة التشخيص غيرنا وغير طفلينا وعائلتينا، حتى منظورنا للحياة تغير لم يكن كل من آدم ونورا مضطرين لخوض هذه الأزمات الخطيرة، لو كان الفحص المسبق لمرض السكري من النوع الأول نموذجيًا للأطفال الصغار.
فداء السكري من النوع الأول هو مرض مناعي ذاتي يصيب البنكرياس، ولا يمكن الوقاية منه كما أنه غير معد، ويتم السيطرة عليه باستخدام الأنسولين، والذي يجب حقنه للحفاظ على مستويات الجلوكوز في الدم ضمن النطاق الطبيعي. فهو يساعد بالسيطرة على أعراض المرض ولا يعالجه.
ولكن الخبر السار أنه يمكن للمريض أن يتناول ما يريد، وأن يفعل ما يريد مع الالتزام بجرعة الإنسولين على غرار النوع الثاني من السكري. وغالبًا ما يُطلق على مرض السكري من النوع الأول اسم "المرض غير المرئي". لذلك، يتطلب اهتمامًا مستمرًا، وبصفتنا أمهات لطفلين مصابين بداء السكري من النوع الأول، فإننا نؤكد على هذه المعلومة بكل ثقة.
مع مريض السكري علينا التحقق من نسبة السكر في الدم قبل وبعد الوجبات، وفي منتصف الليل، وذلك بالوخز بالإصبع 4-7 مرات في اليوم.
علينا قياس كميات الطعام التي نقدمها لهما حتى نتأكد من جودة وكميات العناصر الغذائية التي يحتاجون إليها يومياً. حيث للكربوهيدرات والدهون والبروتينات والألياف تأثير كبير على نسبة السكر في الدم. كما أننا نراقب النشاط والإجهاد والهرمونات والبلوغ وما إلى ذلك لأنها تؤثر على مستويات السكر في الدم كذلك.
بالإضافة إلى كل ذلك، أن علينا وخزهم بإبرة الأنسولين عند تناولهم لأي شيء، أو إذا كانت مستويات الجلوكوز في الدم مرتفعة، أي حقنهم من 3-5 مرات في اليوم. ونتابع مع عدد لا يحصى من الأطباء للتأكد من أنهم يتمتعون بصحة جيدة قدر الإمكان. حيث نقوم بزيارة أطباء الغدد الصماء كل ثلاثة أشهر، وفحوصات العين السنوية، وإجراء فحوصات دم سنوية لوظائف الكبد وأمراض المناعة الذاتية الأخرى مثل مشاكل الغدة الدرقية والاضطرابات الهضمية، وما إلى ذلك.
نتابع مع شركات التأمين حتى لا يرفضوا تغطية علاجات أطفالنا والصيدليات لنتأكد من عدم نفاذ أشرطة فحص السكر لأجهزة أطفالنا، ووجود كمية مناسبة من الأنسولين في منازلنا وبمتناول أيدينا.
تخيلي معنا لثانية أن تستيقظي غدًا وعليكِ أن تقومي بكل هذا مع طفلك البالغ من العمر 3 أعوام، أو مراهق، أو حتى طالب جامعي، والاستمرار في هذا الروتين كل يوم لبقية حياتكما.
الأهم أن نعلم أطفالنا أن يكونوا مسؤولين حسب أعمارهم، بحيث أن يؤمنوا أنفسهم بالكمية الكافية من الأنسولين للطوارئ سواء كانت شديدة أم بسيطة.
في الحقيقة التعايش مع السكري من النوع الأول ليس سهلاً ما يعتقد البعض، فإذا جلست وتفاعلت مع طفلينا القويين ستلاحظين أن هذا المرض غير المرئي، مرئي فهو يعزل الأطفال عن مجتمعهم بطريقة أو بأخرى دون دعم من المجتمع.
فقد مررنا بمواقف ما أشخاص معينة لا زالت تعتقد أن الاختلافات والأمراض المناعية والمزمنة "تابو" أمور صعبة والحديث عنها بالعلن أمر غير مقبول! أخبرنا البعض بأن علينا مداراة الموضوع فمن سيتزوج فتاة أو فتى مصاب/ة بالسكري؟
لم تحصل نورا يوماً على دعوة للعب مع أحد زملائها، حتى لو كنت سأرافقها. من قام بدعوتها عادة هما معلمتها في الروضة وجليسة أطفالنا فقط. كان عمرها 5 سنوات فقط في ذلك الوقت.
وبالمقابل، آدم لم يستطع اللعب مع أصدقائه، بل كان عليه السفر مع عائلته إلى لبنان ومصر للبحث عن قلم أنسولين مخصص للأطفال يعطي جرعات دقيقة ومحددة للسيطرة على أعراض السكري.
كل هذا جعلنا نفكر: لماذا على الأهل الدفاع عن حقوق أطفالهم في أبسط الأمور مثل توفير العلاج المناسب لأطفالهم؟ لماذا لا يتحمل المجتمع المسؤولية فيتقبل أطفالنا والترحيب بهم؟
عندما قابلت نورا آدم، صدفة غير متوقعة (هي 5 سنوات وهو 14 سنة)، أصبحا أصدقاء السكري. وجدنا الإجابة على أسئلتنا وهي أن نبني مجتمعاً من خلال التوعية. معًا، يمكنهما مساعدة زملائهم في الفصل وأولياء أمور والأصدقاء والمعلمين على فهم تحدياتهم اليومية بشكل أفضل. إذا تحدثنا عن مرض السكري، فلا داعي للتساؤل أو الخوف أو اللؤم. يمكنهم فقط أن يعرفوا.
الدعوة لبناء مجتمع!
من المعروف أن شهر نوفمبر هو شهر التوعية بمرض السكري، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، قمنا (جينيفير وجينيسيس ونورا وآدم) بالتحدث إلى المدرسة يوميًا حول ما يعيشه الأطفال المصابون بداء السكري من النوع الأول.
وكان حدث هذا العام 2022 الأكبر من نوعه، حيث قمنا بتنظيم سباق اسم "شوجر داش" لطلاب المدرسة من المرحلتين الابتدائية والمتوسطة الذين قاموا بجمع التبرعات والجري من أجل القضية وهي التوعية بمرض السكر لدى الأطفال.
وعامًا بعد عام، يتفوق هؤلاء المدافعين الشباب على نفسيهما بشجاعة واعتزاز بحالتهما. فقد أصبح ليدهما مجتمع متفهم من الأصدقاء والمعلمين بالتأكيد. وبدأت الدعوات للعب وأعياد الميلاد بالتزايد. من الصحيح أن لنورا وآدم أيام جيدة وأخرى سيئة، وفي بعض الأحيان يتعين عليهم إلغاء الخطط، وقد لا يعرف أصدقائهم كيفية التصرف لمساعدتهم. إلا أن كل هذا لا يمنعهم من السؤال لتقديم الدعم فلم يعد السكري أمر مخيف وتعلموا كيفية التعامل معه.
مبادرة "شوغر بوكس (Sugar Box)": توفير التوازن للأطفال المصابين بالسكري من النوع الأول
هذا العام، نخطو خطوة أخرى إلى الأمام بمبادرة جديدة تسمى Sugar Box، ونحن نعمل بكل فخر مع أربعة من كبار أطباء الغدد الصماء للأطفال في عمان لتقديم نوع جديد من الدعم للأطفال المصابين بداء السكري من النوع الأول وعائلاتهم.
فعندما يتم تشخيص الأطفال، هناك قدر هائل من المعلومات التي يصعب فهمها. من التجربة، نعلم أن هناك أدوات يمكن أن تجعل هذا المرض أسهل، لكن من الصعب جدًا العثور عليها في الأردن!
Sugar Box عبارة عن صندوق يحتوي على أدوات تدعم مرضى السكري وهو مجاني، تجدون فيه:
- حقيبة تحتوي على جيب خاص لأجهزة فحص السكري المنزلية.
- كيس تبريد للأنسولين من صنع مركز بدوة للتربية الخاصة.
- دفتر طفولي التصميم لتسجيل مستويات السكر في الدم بعد كل فحص.
- سوار تعريف لتقديم المساعدة المناسبة للأطفال المصابين في حالات الطوارئ.
- بطاقات تعريفية ملصقة بالحقيبة.
- لعبة محشوة "دب" - للدعم المعنوي الذي يساعد على معرفة مكان إعطاء حقن الأنسولين، وأكثر من ذلك بكثير!
وكلها منتجات مصنوعة محليًا لمساعدة الأطفال على بدء هذه الرحلة الشاقة، وقد قمنا بتوزيع 150-صندوقاً حتى الآن والصندوق متوفر باللغتين العربية والإنجليزية.
إذا كنت مهتمة بإضافة منتجاتك إلى "Sugar Box” أو تتعاملين مباشرة مع أطفال السكري النوع الأول، هل ممكن أن تكوني مهتمة برعاية هذه المبادرة ودعمها؟
لمعرفة تفاصيل أكثر، ندعوك لتصفح صفحاتنا على فيسبوك وانستغرام باسم "SugarBpx.JO". ستسرنا متابعتكم لنا!