مذكرات
مذكرات آدم: أنس وهاشم روحان في جسد
اسأل الله الذي جمعهما في بطن واحدة أن يجمعهما على النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.. هاشم وأنس (كان من المفترض أن يكون اسم أنس عاصم ليتطابق الوزن، ثم غيَّرنا رأينا أنا وزوجتي وقررنا أن نسميه أنس ليكون لكلٍ من التوأم شخصية مستقلة ابتداءً من الاسم).
قدرهما كأي توأم أن نتحدث عنهما ونخاطبهما ونذكرهما معًا، حتى عندما يسأل الناس عنهما يسألون: (كيف حال أنس وهاشم أو كيف حال التوأم)، حتى أنني عندما أكتب لهما أو عنهما فإني أكتب عنهما معًا. وفي هذا ظلم لكلٍ منهما،
لكن بالمقابل فإني أحسبهما مثل عينين في رأس واحدة لا تستطيع أن تنظر إلى واحدة بمعزل عن الأخرى، ولا يمكن أن تفضّل اليمنى على اليسرى أو العكس.
الفرحة بحمل زوجتي كانت مضاعفة عندما علمنا بأنها تحمل بتوأم، كان ذلك في العام 2002، الفرحة بمولدهما كانت أيضا مضاعفة عندنا وعند أهلي وأهلها، تلك الفرحة المرتبطة بالتوائم، لكن لكل توأم جانبًا آخر من المعاناة لأن كل واحد منهما يحظى بنصف أم ونصف أب فقط؛ فقد كنا نضطر أن نوزع الوقت والجهد بينهما، وهذا قلل بالتأكيد من وقت الاهتمام والرعاية والحنان المعطى لكلٍّ منهما.
كأي توأم شق هاشم وأنس طريقهما في الحياة معاً، وبروح ممتزجة في جسدين رغم الأمزجة المتفاوتة والاختلافات الكثيرة، كانا كثيراً ما يدخلان عالمهما ويغلقان الباب فلا نستطيع الدخول إليه.
ومع ذلك فإني أشعر دائما بالسعادة عندما أتذكر أن الله أنعم على عائلتي بهذا التوأم الرائع، وأفرح عندما يقترب مني أحدهما صباحاً فيسألني: "بابا اليوم مطول في الشغل؟" هو لا يريد أن يقول بشكل مباشر: "لا تتأخر فأنا مشتاق لقضاء المزيد من الوقت معك".
من آخر الطرائف التي حدثت لي معهما، أنني أحاول مع زوجتي بشتى الطرق تقليل وقت جلوسهما أمام ألعاب "البلاى ستيشن"
قلت مرة لهاشم: "نحفان كثييييييير... كُله بسبب قعدتك قدام الشيطان"
بعدها بفترة قلت لأنس: "سمنان كثييييييير... كُله بسبب قعدتك قدام الشيطان"
عندها وبصوت واحد قال أنس وهاشم: "حيّرتنا... هيّ القعدة قدامه بتنحّف ولا بتنصّح!!"
جوابي لهما في هذه الرسالة المفتوحة: مش متأكد إنها بتنحّف ولا بتنصّح...
لكني متأكد من أمر واحد هو أنني أحبكما كعينيّ، وأحب روحيكما كروحي التي بين جنبيّ.
الله يحفظكما على طاعة الله ويحفظ محبتكما لبعضكما... ويديم المودة بينكما ولا يفرقكما كما حصل للتوأم الإيطالي "دميان" و "تامي"..... في عقد الستينيات.
* * *
لمن يحب أن يقرأ قصة "دميان" و "تامي"
"دميان بونانتي" كان دائمًا حزينًا ومحبطًا، لأنه لم يجد أخاه التوأم "تامي" بعد أن فرقتهما الحرب وحالت بينهما، إنه دائم الشعور بأن أخاه حيٌ يرزق. مع أن الفراق مضى عليه نحو 20 سنة، لقد اختفى وهو في العاشرة من عمره والعلامة البارزة الوحيدة والمشتركة بين التوأم وشم باللون الأحمر على شكل قلب صغير وشمه كل منهما لأخيه على ساعده تعبيرا عن امتزاج روحيهما.
المحيطون به يحاولون إقناعه بأن ييأس من البحث، وأنه لا أمل، وأن احتمال نجاة أخيه من تلك الحرب التي أكلت الأخضر واليابس إمكانية ضئيلة، أما هو فكان يقول دائما "أنا واثق أن الله سيجمعنا يوما".
صباح ذلك اليوم شعر بالضيق لأن السكرتيرة اتصلت معتذرة عن القدوم بسبب مرض عارض، لأنه سيضطر أن يقرأ أجندة المكتب لمتابعة الأعمال والمواعيد الهامة.
وجد في أجندة اليوم رقما وقد كتب بمحاذاته اسم "جين"، اتصل بالرقم، وأجابته على الطرف الآخر سيدة فقال: هل يمكن أن أتحدث إلى "جين"؟
قالت السيدة: لا أعرف أحدًا بهذا الاسم، ربما لأنه لم يمض على عملي إلا شهرين، ما رأيك أن تتصل بعد ساعتين لأن مديري السيد "تامي" سيكون موجودًا، وقد يفيدك.
قال: قلتِ: تامي! هل اسم عائلة مديرك هو بونانتي؟
أجابت: نعم إنه تامي بونانتي.
خفق قلب الرجل بسرعة وتابع: أرجو أن تتحملي آخر سؤال مني، هل لاحظتِ وشما بلون أحمر على شكل قلب على ساعد السيد بونانتي؟
قالت السيدة: نعم، إنه واضح جدًا وملفت ويحرص على إظهاره، ولكن لماذا تسأل؟
أجهش الرجل بالبكاء: إنه شقيقي التوأم وأنا أبحث عنه منذ عشرين سنة.
تأثرت السيدة وانخرطت بالبكاء وقالت: لقد حدثني أنه فقد أخا له بسبب الحرب، وأنه يبحث عنه.
من فورها أعطته رقم هاتف أخيه، فاتصل به واتفقا على لقاء قريب جدا.
* * *
لما رجعت سكرتيرته إلى العمل سألها: كيف وصل رقم الهاتف الخاص بمكتب أخي إلى أجندتنا.
قالت: إن الرقم المسجل في الأجندة لم يكن رقم هاتف بل هو رقم حساب خاص بعميلة مهمة كان يجب أن نضع في حسابها عربونا لشراء عقار، وافترضت أنك تعرف ذلك.
قال: "جين" "جين"... نعم تذكرتها الآن، لقد تأخرنا عليها وربما خسرنا صفقة ممتازة، لكن لا بأس، فقد كسبت أخي.
أنا ذاهب إلى المطار لاستقباله.