أخبار حول العالم
نظرة نفسية للأخبار والشائعات المتعلقة بفيروس كورونا
تحرير: آية صرصور.
كنت أتحدث مع أمي منذ مدة بعد أن أرسلت لها مقطع فيديو من دكتور متخصص في الصيدلة يتحدث عن مطاعيم كورونا بالتفصيل الممل بطريقة علمية، وإذ بها تقول لي: "ولكن صديقتي أرسلت لي مقطع فيديو يحذر من المطاعيم، وفلان يقول لا تأخذوها والموضوع كله مؤامرة." وقد استوقفني هذا الأمر، ودارت ببالي عدة أمور رأيت أنه من الأفضل تدوينها في مقال ليستفيد منه الجميع، وقد يسهم في تصحيح الأفكار الشائعة وسبباً للوقاية من المخاطر.
فلنبحث في هذه النقاط:
أولاً: المعلومة الأولى تستمر في العقل طويلاً
في كتابه "العقل المنظم"، يشرح دانيال ليفيتين كيف أن الانطباع الأول يثبت في الدماغ، وكيف أنه حتى بعد تصحيحه يظل له أثر لديك بمشاعر معينة. إن تقديم المعلومة الصحيحة الدقيقة منذ البداية أدعى لاستمرارها ولتكون مرجعاً يبني المرء عليه، بينما المعلومة الخاطئة إذا استقرت فسيصعب تعديلها لاحقاً. وفوق ذلك: تبين الدراسات أن تأثير المعلومات الخاطئة يمتد طويلاً حتى بعد تصحيحها، ويؤثر في أحكامك، بحيث يكون من المستحيل "ضغط زر إعادة التشغيل" كما يصفه ليفيتين.
ثانياً: تأثير المشاهير
منذ بدايات ظهور علم النفس ونظرياته، عرف العاملون في مجال التسويق تأثير المشاهير على سلوك الناس، واستغلوه في الترويج لبضاعتهم حتى لو كانت كاسدة أو سيئة أو منافية لقيم المجتمع أو حتى تلحق الضرر. ومن الأمثلة على ذلك: السجائر التي كانت تظهر في أيدي الممثلين الأميركيين (ثم العرب) في كثير من المشاهد في المسلسلات والأفلام بدعمٍ مدفوع من شركات السجائر، إلى أن تبين ضررها المحدق حقيقةً، وبدأت الحكومات بسن القوانين التي تمنع الإعلانات عن السجائر في معظم دول العالم. اللافت أن عدداً من الأبحاث كانت تبين الضرر، لكن من هم العلماء الذين سيسمع بهم الجمهور ويطيعهم؟ للأسف فإن صوت المشاهير، لمجرد ألفتنا لوجوههم وإعجابنا بأدائهم، يصبح مسموعاً أكثر لدى الناس.
ثالثاً: أخطاء الترجمة والتحرير وأثرها
حين ظهرت سلالة كورونا الثانية في بريطانيا، استمعت وزوجي إلى الكلمة المباشرة التي ألقاها رئيس الوزراء واثنان آخران آنذاك حول الموضوع، حيث أعلنوا أنها أكثر سرعة في الانتشار والتفاعل مع الخلايا لكن لا يبدو أنها أكثر خطراً، إلا أنها تشكل مشكلة جدية. لاحقاً، استمعنا إلى قناة إخبارية عربية فإذا بنا نفاجأ بأنها تقول إن رئيس وزراء بريطانيا أعلن أن الفيروس الجديد قاتل! نظرت إلى زوجي في ذهول ونظر إلي مندهشاً ونحن لا نصدق ما نسمع! لقد استمعنا بأنفسنا إلى الكلمة ولم يرد ذلك مطلقاً. تفسيري الوحيد هو أن هنالك خطأً في ترجمة كلمة ما في النص، (قد تكون الكلمة التي تمت ترجمتها خطأ مثلاً هي Serious بمعنى خطير أو جدي، وظن أحدهم أن كلمة خطير يمكن ترجمتها أو تعديلها لتصبح "قاتلاً"!) أو ربما مجرد خطأ تحريري لم يُعنَ بالتأكد من النص المترجم أمامه، أو ربما كان الأمر متعمداً للمبالغة في وصف الفيروس. أياً كان السبب، فإن هذه الكلمات تؤثر على المتلقي وتوقعاته، خصوصاً من مصادر الأخبار الموثوقة، وتزيد من خوفه وعدم تصديقه لمن يحاول أن ينفي ذلك له.
رابعاً: موثوقية المتحدث
عدا عن مسؤولية الجهات الرسمية والكبرى العالمية عما تعلنه، فإن الإنترنت أصبح بحراً لكل من يريد النشر كتابةً أو عبر مقاطع الفيديو، وبدأت تنتشر مئات المقاطع التي تتحدث عن الفيروس وعن اللقاح وخطره بطرق مبالغ فيها وغير واقعية. أين التحقق؟ أين مصداقية المتحدث؟ ما صفته؟ وما مقدار معرفته الفعلية بهذا الأمر؟ إن من لا يكون صريحاً منذ البداية في توضيح خبراته وحدودها، ولا يذكر مصادر واضحة لمعلوماته يكون أدعى للشك. لذا، من الضروري التأكد من مصداقية المصدر الذي نبحث فيه عن المعلومات ونعتمده في الحصول عليها، ومن الضروري أن نحاول تجاهل "الضجيج المعرفي" الذي ينتشر عبر الإنترنت، وذلك حفاظاً على صحة معلوماتنا أولاً، وعلى صحتنا النفسية بتقليل الأخبار السيئة ثانياً!
والآن وبعد كل هذا، ربما تتساءلين: كيف أتأكد من المعلومة ومن مصادري؟
هذا سؤال جميل، ويمكننا ببساطة أن نتابع مصدراً إخبارياً عدة مرات ومقارنته بمصادر إخبارية أخرى، من المهم أن نركز على عدد من العوامل التي تهمنا، بالنسبة لي فأنا أركز على ثلاثة عوامل: أصالة الخبر: هل هذا الموقع له مراسلوه ويأتي بالخبر من مصادره أم ينسخه من مصادر أخرى وحسب؟ الدقة عبر الزمن: هل يتحرى الموقع الدقة ويعدل أخباره لاحقاً أو يحذفها لو كان هنالك خطأ أم لا؟ التحقق: هل لو رجعت إلى المصادر العلمية التي يشير إليها الموقع والمتخصصون الذين يستضيفهم ويستشيرهم، فهل هي دقيقة ومطابقة لما ورد؟ هذا كله يساعدك في انتقاء المصادر التي يمكنك الاعتماد عليها.
كلمة أخيرة: أتمنى أن نستغل هذه الفرصة لكي نعمل باكراً على أن تعليم أطفالنا هذا التحقق من المصادر قبل أخذ الأمور كحقائق لا شية فيها؛ فالعالم الكبير المفتوح أمامهم مليء بالغث والسمين، والغربلة تحتاج وقتاً أطول ومهارة أكبر من ذي قبل.