قصص أمهات
ما لم أتوقعه من تجربة فطام صغيري!
بقلم: دعاء النابلسي، أم لطفل
قبل أسبوعين من اليوم، عقدتُ عزمي وقمتُ باتخاذ قراري بالاتفاق مع زوجي بأني سأقوم بفطام طفلي بعد عيد ميلاده الثاني، والذي كان في حينها بعد يومِ أو اثنين. وعلى الرغم من أنني كنتُ قد بدأتُ بتهيئة كلينا لهذه اللحظة منذ حوالي الستة أشهر، وإدراكي بأنه يستطيع قضاء يومه كاملاً دون الحاجة لإرضاعه، إلّا أنها لم تكن خطوة سهلة على الإطلاق.
بالنسبة إلى أي أم قامت بإرضاع طفلها رضاعة طبيعية سوف تدرك صعوبة الموقف، وكوني أمٌ للمرة الأولى أحببتُ أن أشارك تجربتي.
سنتان من الرضاعة الطبيعية كانتا كفيلتين بخلق علاقة مميزة بيني وبين طفلي حيث منحتانا الكثير من اللحظات الخاصة، عرفنا بعضنا بشكل جيد جداً، فهمنا ردود أفعالنا تجاه ما نحب وما لا نحب، درستُ كل تفصيلٍ في وجهه وفي يديه الصغيرتين، وتمكنا من بناء أساسِ لا نظير له كأمِ وابن للبدء فيه في رحلتنا الطويلة سوياً.
وبالحديث عن رحلة الأمومة فعليَّ الاعتراف بأني قد مررت في بعض التحديات بداية في إيجاد الظروف المناسبة لإرضاعه: حيث كنتُ أجد مشكلة في إيجاد المكان أو الزمان المناسبين حيناً، وفي الوصول إلى حالةٍ نفسية أو ذهنية مستقرة تمكنني من إتمام إرضاعه دون أن أكون قد نقلت له أياً من المشاعر السلبية أو التشويش الذي يعصف ذهني حيناً آخراً. خاصةً بعد رفضه لزجاجة الحليب وبالتالي أغلق أمامي منفذ الاستعانة بالمضخة وتخزين الحليب المسحوب لاستخدامه في وقت لاحق، ناهيك عن المواقف التي كنتُ أضطر فيها إلى الاستماع إلى انتقادات الآخرين و محاولاتهم في إقناعي بمعتقداتهم السلبية -والمغلوطة- حول الرضاعة الطبيعية، ولكني بعدها أدركتُ أولوياتي كما لم أُدرِك من قبل... أجل؛ لقد كان إرضاعه في أي وقت يريد على قمة لائحتي، الأمر الذي أشعرني براحةٍ نفسيةٍ هائلة كوني اتخذت قراراً نابعاُ من قلبي ومعرفتي، فنحن لا نتوصل في كل يومٍ إلى قراراتٍ تُرضي القلب والعقل معاً. لكن في ذات الوقت، جعلني أدرك حقيقة أن يوماً ما سيكون علّي فطامه وبأن هذا الرباط الجسدي العاطفي سيتلاشى أمراً من الصعب تقبله.
وكما هو مخطط جاء هذا اليوم بعدَ أسبوعٍ من عيد ميلاده، لا أخفي حقيقة أني كنتُ خائفة ومتوترة من اتخاذ هذه الخطوة فالعديد من التساؤلات كانت تتزاحم في رأسي دون أي جوابٍ شافٍ: "ماذا لو أنه لا يزال صغيراً على ذلك؟"، "ماذا لو دخل في نوبات بكاءٍ مستمر؟ هل سأحتمل ذلك؟"، "هل هو فعلاً مستعدٌ لهذه الخطوة؟"، أما السؤالين الأكثر رعباً فقد كانا: "هل هذا يعني بأنه لم يعد بحاجتي؟"، "هل سأبقى الشخص المفضل لديه كما كنتُ من قبل؟".
لم أكن لأعرف أية إجابة دون الخوض في التجربة واتخاذ الخطوة. وكنتُ قد تذكرتُ ما نصحتني به إحدى الطبيبات الرائعات حول آلية الفطام تدريجياً حيث قالت: "Don’t offer if he doesn’t ask for, but don’t refuse if he does"، - أي لا تعرضي عليه الحليب إن لم يطلب ولا ترفضي إعطاءه إن طلب. اتبعتُ هذه النصيحة، وقد حان الوقت لأقطف ثمرة اتباعها.
المفاجئ أنه في اليوم الأول لم يطلب أن يرضع أبداً، حيث أنني حرصت على إبقاءه منشغلاً طيلة الوقت بممارسة عدة من نشاطات، وشبعاً بإطعامه أطعمته المفضلة. وبحلول الليل كان سعيداً جداً لكن منهك حتى أنَّهُ غطَّ في النوم دون أن يحتاج إلى الرضاعة! لكنه صباح اليوم التالي طلب ذلك، وكنتُ قد استعنتُ بحيلةٍ كانت أمي قد استخدمتها معي من قبل، وهي باستخدام بعض القهوة التركية المطحونة كلونٍ وضعته على منطقة الصدر، وما أن رآه حتى شعر بالاشمئزاز ولم يقترب، وبعد عدة ساعاتٍ أعادَ المحاولة، حينها أخبرته بأنه ليس لذيذ بعد الآن باستخدام مصطلح نستخدمه كلانا للتعبير عن أي شيء مذاقه سيء أو غير صالح للأكل، وقد نجح ذلك!! أعاد الكلمات من ورائي دون أي نوبة غضب أو محاولة تجريبية.
كنتُ مذهولة حينها! لقد نجح الأمر! في أقل من 48 ساعة تمت العملية بنجاح!
شعرتُ بالامتنان لنفسي بأني لم أقُم بتلك الخطوة من قبلٍ أو بشكل مفاجئ أو فوري، بأني منحته أقصى ما استطعت دون حدودٍ أو قيود،
حتى أني لم أتألم بدنياً كون أن العملية كانت طويلة الأمد ولم تحدث بين ليلةٍ وضحاها.... شعرت بالامتنان تجاه طفلي الصغير أيضاً، الذي لم يتوقف عن احتضان جميع أفراد العائلة، الذي أعاد تذكيري بأن الأم ذات قيمة أكثر مما تعتقد، بأن وجودها دائماً مهم؛ بأن أهميتها غير مربوطة بأي خدمةٍ تقدمها، بأنها مهما كبرنا أو ابتعدنا ستبقى دائماً ملجأنا الأكثر أماناً.
اليوم أعلن وبكل فخر نهاية واحدٍ من أكثر الفصول المحببة إلى قلبي، وأعرف تماماً بأنها ليست نهاية القصة، بأن الأفضل لم يأتِ بعد...