مقابلات

ياسمين النجار.. أول متسلقة فلسطينية بطرف صناعي

ياسمين النجار.. أول متسلقة فلسطينية بطرف صناعي
النشر : فبراير 15 , 2020
آخر تحديث : سبتمبر 25 , 2023
كاتبة شغوفة وأم لطفل، درست الهندسة الصناعية وتخصصت في علوم التنمية المستدامة والإدارة، لكن حبها للكتابة دفعها للاتجاه نحو هذا العالم المليء... المزيد

في قرية بورين قضاء مدينة نابلس، بدأت حكاية ياسمين النجار..

كغيرها من أطفال فلسطين طاردت ياسمين أحلامها متحدية بذلك كل العقبات التي فرضها الاحتلال، وبطرف صناعي استطاعت أن تصنع المستحيل!

استطاعت في عام 2014 أن تتسلق أعلى قمم القارة الإفريقية.. قمة كليمنجارو في تانزانيا أو قمة الحرية كما يسميها أهلها، لأن تانزانيا كانت أول بلاد في تلك القارة تتحرر من الاستعمار.

رافقها في رحلة التسلق عدد من المتطوعين، بالإضافة إلى الشاب معتصم أبو كرش من غزة الذي تسلق بطرف صناعي أيضاً، فكانا تماماً كما وصف الروائي الكبير إبراهيم نصرالله وهو الذي رافقهما في الرحلة: " هناك الكثير.. ولكنهم ههنا لا يريدون غير الأقل: صعود الجبل"

تواصلت مع ياسمين وسألتها عن تجربتها ومشاعرها فبل وبعد كليمنجارو، وعن خططها القادمة لتحقيق المزيد، إليكم تفاصيل ما دار بيننا:

  1. من هي ياسمين النجار؟ ومن أين كان لك كل هذا الشغف لتسلق أعلى قمة في إفريقيا.. قمة كليمنجارو؟

عمري 23 سنة، تعرضت لحادث سير وأنا في عمر الثلاث سنوات، فقدت على إثره ساقي اليمنى من فوق الركبة.

بالطبع، ما حدث لي كان صدمة كبيرة لعائلتي، ناهيك عن المعاناة التي كانوا يتكبدونها من أجل متابعة حالتي في القدس، لكن هذا لم يثنيهم عن دعمي وبذل كل ما يستطيعون لأتمكن من عيش حياة طبيعية تماماً مثل إخوتي الخمسة.

في عام 2006، عندما كنت في عمر التاسعة توقف الاحتلال عن إعطاء التصاريح لدخول القدس، فاضطررت إلى أن أغادر فلسطين طلباً للعلاج.

وهناك تعرفت على جمعية إغاثة أطفال فلسطين، وهي جمعية قائمة على التطوع لتقديم مساعدات للأطفال، وفي حالة الأطفال المحتاجين لأطراف صناعية كانوا يتولونهم بالرعاية ويساعدونهم بتركيب هذه الأطراف حتى عمر ال 18 عام.

وهذا ما حدث معي، ساعدتني الجمعية بتركيب أطراف صناعية في الخارج، أما فكرة تسلق كليمنجارو فقد كانت عن طريق هذه الجمعية أيضاً

حيث كان هنالك مشروع مع سوزان الهوبي -وهي متسلقة فلسطينية استطاعت الوصول إلى قمة إفريست- باختيار طفلين فلسطينيين بأطراف صناعية لتسلق جبل كليمنجارو، فوقع علي اختيار الجمعية، وكان عمري حينها 17 عاماً.

بصراحة، كنت متحمسة جداً لفكرة تسلق الجبل، كما أنني أردت أن أساعد الجمعية التي دعمتني، وبحمد الله استطعنا أن نجمع تبرعات للجمعية من أجل مساعدة أطفال آخرين بحاجة إلى الرعاية الطبية، فأصبحت أول فتاة عربية بطرف صناعي تتسلق قمة كليمنجارو وترفع علم بلادها فلسطين على أعلى القمم.
 
  1. في الحديث عن ما قبل كليمنجارو.. كيف كان لقسوة الاحتلال وتسلطه على الشعب الفلسطيني دور في صقل شخصيتك منذ الطفولة؟

في الحقيقة، ربما حب الجبال لدي جاء كنتيجة للمعاناة من الاحتلال، فنحن نعاني كثيراً من المستوطنين ومضايقاتهم في حياتنا اليومية، فلا يكفيهم أنهم يسكنون قمم جبالنا وأفضل مناطقنا، تجدهم يهاجمون قرانا ومدارس أطفالنا متى شاؤوا!

لذلك شعرت أن فكرة تسلقي لكليمنجارو كانت فرصة بالنسبة لي لأتحدث عن فلسطين أكثر وعن كل ما يواجهه الفلسطيني في حياته، وبالفعل بعد كليمنجارو استطعت أن أتحدث عن معاناة الفلسطيني في كثير من الدول في العالم، دعيت إلى الكثير من المؤتمرات ومثلت فلسطين فيها، واستلمت الجائزة الدولية للنساء المنجزات في إيطاليا، واستطعت بحمد الله أن أعكس الواقع الذي أعيشه كأي فلسطيني بطريقة جميلة.

  1. كيف تغلبت على مفهوم "الإعاقة" واستطعت تسلق القمم؟

كان لأهلي الدور الأكبر في مساعدتي في تخطي فكرة الإعاقة والتعامل معها على أنها شيء عادي جداً، فكانوا يعاملونني تماماً كباقي إخوتي في المنزل، فلم أعفَ من أي مهام بسبب إعاقتي كانت حياتي عادية جداً.

وأنا بدوري كنت أتعامل بشكل طبيعي مع الآخرين، وكنت أشارك في كل النشاطات المدرسية وحصص الرياضة، وكان الجميع يتعامل معي بالمثل.

بالنسبة لي أرى أن دور الأهل والمدرسة والمجتمع ككل هو دور تكاملي من أجل التوعية بالتعامل مع الأشخاص من ذوي الإعاقة، فعلى الأهل أن يكونوا قدوة لأبنائهم في التعامل، فالأطفال هم صورة عن أمهاتهم وآبائهم ليس أكثر.

  1. رافقك في رحلتك الروائي الكبير إبراهيم نصر الله، وتحدث عن هذه الرحلة في كتابه "أرواح كليمنجارو"، رحلة صعود الفلسطيني إلى القمة برغم كل القيود والعقبات، حدثينا أكثر عن ذلك.

إبراهيم نصر الله، هو ليس مجرد كاتب وإنما إنسان عظيم جداً، فبمجرد أن سمع بالفكرة حتى قرر أن يشاركنا التجربة رغم كبر سنه، فعندما قمنا بالرحلة كان عمره 59 سنة، أكبر المتسلقين!

كان وجوده معنا في الرحلة أمراً استثنائياً وملهماً وإضافة كبيرة حقاً، بشِعره وكلامه كان ينقلنا إلى عالم آخر يخرجنا من أجواء التعب والإجهاد.

واستطاع أن يوثق الرحلة ويخلدها بروايته "أرواح كليمنجارو"، التي أظهر فيها رمزية رحلتنا بطريقة جعلتني أشعر وأنا أقرؤها كأنني تسلقت الجبل من جديد. سأظل ممتنة وشاكرة له على هذه الرواية ما حييت.

  1. كيف كان وضعك الصحي قبل الرحلة وكيف استعديت لها؟

طبعاً تدربت لسنة كاملة قبل الرحلة، بعد ذلك وأنا في طريقي إلى الأردن شعرت بألم شديد في قدمي، راجعت على إثره طبيب عظام قال لي حينها أنني قد لا أتمكن من الوصول إلى القمة وأنني بحاجة لعملية جراحية، فشعرت بصدمة كبيرة، لكنني كنت مهيئة جسدياً ونفسياُ لتسلق الجبل ولم يثنيني كلامه عن الاستمرار لتحقيق ذلك!

وعندما رأى الطبيب إصراري أعطاني بعض التعليمات للإسعافات الأولية وتمنى لي التوفيق.

تسلق جبل مثل كليمنجارو لم يكن أمراً سهلاً على الإطلاق! فهو من أعلى القمم البركانية في العالم حيث تكون نسبة الأوكسجين في هوائه أقل بما يقارب النصف، طبيعة وعرة، ساعات سير طويلة، واجهنا الكثير من الصعوبات حتى تأقلمنا مع طبيعة الجبل أكثر، شعرت بآلام في قدمي بعد اليوم الثاني فكنت أقوم ببعض الإسعافات الأولية لها كل ساعتين.

  1. وأنت تصعدين إلى القمة، بماذا شعرت وماذا أردت أن يرى العالم؟

لا أستطيع أن أصف لك ما شعرت به في تلك اللحظة، الكثير من المشاعر المختلطة، لم أعرف هل أبكي أم أضحك أم أصرخ.. كان هذا انتصار لي وانتصار لفلسطين 

شعرت بالفخر وبنشوة النصر واستطعت أن أرفع علم بلادي فلسطين على أعلى قمم العالم.. قمة الحرية، كان لذلك رمزية كبيرة جداً كونها سميت بذلك لأن تانزانيا كانت أول دولة تتحرر من الاستعمار في قارة إفريقيا، أيضاً وبحمد الله استطعنا أن نجمع تبرعات لجمعية أطفال فلسطين.

وتذكرت هنا مقولة للرئيس الراحل ياسر عرفات: "سترفع زهرة من زهرات فلسطين علم فلسطين عالياً على مساجد القدس وكنائس القدس وأسوار القدس"، وأنا رفعته على أعلى قمة في إفريقيا على أمل أن أرفعه يوماً على قمم بلادي.

  1. حدثينا عن رغبتك بتسلق قمة جديدة، قمة إفريست، برفقة المتسلقةسوزان الهوبي. ما الهدف من هذه المغامرة؟ كيف يمكن لمجتمعنا أن يساعدك لنشر رسالتك بشكل أكبر؟

أنا جداً متحمسة وسعيدة لخوض هذه التجربة الجديدة لأنني سأتمكن من جمع التبرعات لـ UNHCR لمساعدة اللاجئين.

سنتسلق حتى مخيم قاعدة إفرست وارتفاعه 5364م، ثم سنكمل نحو قمة لابوش إلى ارتفاع 6119م.

ستكون هذه التجربة مختلفة عن كليمنجارو، قمة كليمنجارو كانت مليئة بالثلوج أما في لابوش سيكون التسلق مختلف فهي منطقة يكسوها الجليد طوال السنة.

كان أول ما فعلته استعداداً للرحلة أنني ركبت طرفاً صناعياً جديداً في إيطاليا ليساعدني على التسلق، واستغرق ذلك مني مدة الشهرين.

ثم صعدت إلى جبال الآلب حيث جربت السير على الجليد لأول مرة، كان ذلك كجزء من تدريبي لتسلق إفريست، ولكي أعتاد على الطرف الصناعي الجديد.

وعندما عدت إلى فلسطين، بدأت بتسلق الصخور الضخمة داخل فلسطين، في رام الله في منطقة عين يبرود وعين قينيا، وفي نابلس أيضاً، وحالياً أتدرب على جهاز مشي في المنزل بشكل يومي، لأنه أحياناً يصعب علي الخروج لتسلق الصخور نتيجة للظروف الجوية وحالة الطقس.

  1. في الختام، ما هي طموحاتك على الصعيد الشخصي وأمنياتك للعالم العربي والشعب الفلسطيني في المستقبل؟

أمنيتي أن أتمكن من ممارسة هواياتي بحرية داخل وطني، أن أمشي بحرية بدون أي مخاوف أو أية صعوبات تعترضني.

وما أريده أيضاَ أن أكون سفيرة لبلدي فلسطين لأتحدث عنها في كل مكان في العالم، أن أنقل الصورة الحقيقية عن قضيتنا الفلسطينية وكل ما يحدث هنا، وأن أتحدث عن الوجه الجميل لفلسطين بآثارها وتاريخها وتراثها وليس فقط عن الاحتلال وظلمه.

بالإضافة إلى قضية اللاجئين التي تهمني بشكل كبير، فمن حق اللاجئ أن يعود ويعيش في بلاده حراً كغيره من البشر، ولهذا ستكون تبرعات رحلتي القادمة مخصصة لمساعدة اللاجئين.

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية