الأطفال 6-11 سنة

عندما نعلم أطفالنا الإعاقة العاطفية!

عندما نعلم أطفالنا الإعاقة العاطفية!
النشر : أبريل 15 , 2020
آخر تحديث : أغسطس 01 , 2022
رلى الكيلاني أخصائية تواصل وذكاء عاطفي محترفة ولديها حماسٌ دائم بنشر الوعي. تحمل الجنسيتين البريطانية والأردنية. ساعدتها دراستها للهندسة المدنية في تقييم... المزيد

قد يكون العنوان مستفزاً بعض الشيء! فهو يوجه أصابع الاتهام لنا جميعا كجيل الأهل والمربين اليوم، في أمر لا يعي كثيرون مدى أهميته! فهل نربي أطفالنا على إعاقات عاطفية متوارثة اجتماعياً أم أننا نستحدث لهم إعاقات عاطفية تتناسب وزمانهم؟ أم نكتفي بأن نعيب زماننا بما فيه من تكلنولوجيا سرّعت وصول المعلومة، وهمّشت النوعية والمصداقية والأخلاقيات المرتبطة بهذه المعلومة؟! وما لزماننا عيبٌ سوانا!

نخطيء كثيراً عندما نتجاهل أهمية القدرات العاطفية في بناء شخصية الطفل واستقلالية تفكيره وتبلور سلوكياته العامة وتوجهاته في الحياة.
فمن خلال ممارسات نقوم بها نحن المربين ولا نقف كثيراً عند تأثيرها، إما تساهلاً، تكاسلاً أو قلةً في الوعي، نخطيء بِتبَّني ثقافة استهلاكية قللت من قيمة الخلق الطيب، والقيم الجميلة والسلوكيات المهذبة تماشياً مع متطلبات السرعة والمرونة الحياتية...
ومع هذا الاستسهال تخلَّينا عن أحد أدوارنا الأساسية في بناء القدوة الجميلة التي تعكس الشخصية القوية الواثقة من نفسها والقادرة على الدفاع عن المباديء التي تؤمن بها وتتصرف بأخلاقيات ثابتة تظهر رقي التربية والتحضر والفكر... صور إيجابية تفتح المجال أمام عقل الطفل للكثير من سبل التطور والتقدم اجتماعياً ومهنياً في المستقبل. فهل هناك علاقة حقيقية بين القيم والأخلاق من جهة وبين المهارات العاطفية التي تعكس شخصية الفرد وقدراته الذكائية؟.
 

عندما نربي الطفل على العنف المطلوب ليكون "زغرت وقد حاله"، ونبالغ في توجيه بناتنا "نحو الاهتمام بمظاهر جمالها الخارجي على حساب جمالها الداخلي!" فهي يجب أن تكون نحيلة، وإلا فلن يتقبلها مجتمع المظاهر الذي بات يهز ثقة الأم بنفسها وبأنوثتها وبأسلوب تربيتها لابنتها قبل أن يحطم ثقة الطفلة بجسدها وما أنعمه الله عليها من عقل وقدرات عاطفية وإنسانية باتت للأسف - ثانوية.

عندما نروي القصص لأطفالنا ونحدثهم عن العبر المستفادة من الشجاعة وقول الحق، ونكسر ذلك المفهوم عند أول محاولة للطفل في التعبير عنها أمام شخص كبير أخطأ معه سواء في مجتمع المدرسة أو العائلة أو الأصحاب، حتى لا يقال عنه قليل الأدب!

عندما نقول للبنت اخفضي صوتك أنت بنت، وعيب أن يسمع أحد صوتك أو حتى حرام! وفي الخفاء نعلمها كيف تعبر عن حاجتها بالخبث والتحايل والتلاعب بمشاعر من حولها! عندما نقول للولد لا تتدخل فيما لا يعنيك ولا تدافع عن صديق يتعرض للضرب حتى لا تلام وتنل نصيبك أنت أيضا من الضرب.. فنقتل معاني التعاطف والرغبة في إحقاق الحق ونصرة المظلوم... فذلك أريح لرأس الأهل!

عندما نختار نحن كأهل أن نلوم البلد والوضع الاقتصادي والحكومة وغيرها لنزرع في أطفالنا الشعور بعدم القدرة على تحقيق شيء...عندما نسمح لأنفسنا أن نفرغ غضبنا وتعاستنا في أزواجنا في البيت أو فيمن هم أضعف منا لنشرب أطفالنا جرعة أخرى من الإعاقة العاطفية وعدم القدرة على إدارة المشاعر! كلها سيناريوهات يومية نعيشها، لكن لا ندرك خطورة تأثيرها على بناء قدرات أطفالنا العاطفية.

كم من المواقف التي تحدث أمامنا كل يوم ونختار أن نتعامل معها بمخدر اللامبالاة وعدم الاكتراث بأخلاقيات اندثرت مع رحيل من سبقنا من آباء وأجداد؟! فغابت البركة معهم وغابت قيم الإحسان والإتقان والالتزام والتعاطف وغيرها من الأخلاقيات، بحجة الزمن الذي استهلك كل ما له قيمة ليستبدله بإعاقات عاطفية وأخلاقيات ال Take away السريعة التي زرعت فينا استسلاماً لضعفنا الإنساني، وقبلنا بها سمة لمجتمعنا وعيوبنا.
حتى نحمي جيل أبنائنا ونمهد لهم البيئة التي تعد بمستقبل محب للإنسانية بضعفها وقوتها، علينا نحن أولا آباء وأمهات ومربين أن نعيد تجديد إيماننا بالقيم، ونقف وقفة جادة مع أنفسنا حتى لا نرضع أطفالنا معاني الخذلان وضعف الثقة بالنفس وبالجذر، ونخدر إمكاناتهم بألعاب تستهلك طاقاتهم الفكرية والإبداعية والعاطفية.
 

إن إتقان مبادئ التربية العاطفية الذكية يتطلب منا ثلاث أمور غاية في الأهمية:

  1. أن نساعد بعضنا البعض من أجل خلق ثقافة موازية في الأهمية والأثر لثقافة الاستهلاك والمظاهر والاستسهال، لأن دورنا مهم، والقدوة مفقودة وأطفالنا بأمس الحاجة لهذه القدوة لترسيخ معاني الثقة بالنفس التي يتشربها الطفل من خلال العلاقة العاطفية الأولية المحبة والداعمة.
     
  2. أن نهتم بما يظهر من سلوكياتنا اليومية لأبنائنا، لأنهم يتعطشون لتعلم لغة العواطف منا نحن الكبار. فالطفل يراقب مظاهر السعادة والغضب على أبويه، ويمتص أسلوبهما في التعامل مع المستجدات، وفي كتم المشاعر أو التعبير عنها بشكل سلبي كان أو إيجابي. وهو يراقب استراتيجياتنا في حل المشكلات، والتعامل مع الخلاف والاختلاف، وإدارة الغضب، واختيار الأصدقاء، والتعبير عن الرأي والنظرة للمستقبل.
     
  3. الاتفاق على أسلوب موحد في التربية العاطفية بين الأبوين، واختيار البيئة المؤثرة من مدرسة وأصدقاء بما يتناسب وأسلوب التربية التي نحب. فلا نلجأ للأنشطة الأسهل فقط من أجل أن يتلهى الطفل عنا، بل نجتهد في اختيار البيئة التي تدعم معاني الاحترام، والأمان والإبداع والتفاعل الإيجابي، ونبتعد ما أمكن عن المظاهر التي تضيف للرصيد الاجتماعي الواهي على حساب قوة الشخصية ودوافع الشحن الذاتي التي ستدعم الطفل في رحلة تطوره كإنسان.

فهل نختار أن نكون القدوة الواعية؟ أم نقبل أن نورث ضعفنا العاطفي وعدم اكتراثنا بما في القيم النبيلة من حكم إنسانية ترقى بذكاءاتنا؟
هل نستسلم لعدم قدرتنا على الوعي باللحظة لنجعل كل ما تربينا عليه من قيم جميلة ذكرى لا معنى لها لدى جيل المستقبل الواعد؟

إن الوعي العاطفي الذي يجب أن نطوره في أنفسنا سيساهم بجدية في بناء شخصية جيل قوي واثق من نفسه جيل يتمتع بالقوة الذكائية والنفسية للثبات على أخلاقيات توارثناها من حضارتنا الغنية التي يجب أن نعكس أجمل ما فيها.

فلنعيد تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فالتخاذل ضعف، وعدم الثقة بالنفس ضعف، والإحساس بالحق قوة تشحن طاقاتك لتقدم ما هو أجمل! وتقليد الآخر في الظاهر والمخفي ضعف لن يعود علينا إلا بالحسرة على طاقات جبارة تقاعسنا عن صقلها فبتنا نلوم ضعف أصحابها ونتنصل عن دورنا الحقيقي وننكر جهلنا الذي زرعناه بأيدينا تهرباً من مسؤولية هي اليوم علينا وغداً على من بعدنا!



اقرئي أيضاً:

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية