الأطفال ما قبل المدرسة 4-5 سنة
أسباب اختيارنا للتعليم المنزلي: تطوير الشخصية وحرية التعلم
كثيرون يسألونني عن سبب تفكيري باختيار التعليم المنزلي. وبصراحة، لا أذكر أول حَدَث جعلني أفكر في هذا الأمر، أذكر فقط أن ابنتي كانت تبلغ من العمر 6 أشهر حين نظرت إلى زوجي وأنا أقول: "ما رأيك أن نقوم بالتعليم المنزلي لابنتنا؟" فنظر إليّ نظرة مليئة بالدهشة والاستعداد للمغامرة معاً، وقال: "ممكن نفكر! فكرة جميلة!" ومنذ ذلك الحين، ونحن نبحث ونشاهد ما حولنا بعيون مختلفة. وهنا، أسرد بعض النقاط التي جعلتننا نأخذ هذا الأمر في الاعتبار بالتفصيل:
1- الاستعداد:
استعداد كل طفل للتعلم مختلف عن الآخر، وقدرته الاستيعابية كذلك. لم أكن أظن أني سأبدأ مبكراً مع ابنتي. أحضرت لها عدداً من الألعاب والكتب العربية عندما ذهبت للأردن آخر مرة، وراحت تلعب بالحروف الخشبية وتصمم أن تعرف ما هي. حين أكملت العامين، كانت تعرف جميع الأحرف! هذا شجعني في البدء مبكراً طالما أنها مستعدة. لم الانتظار؟
هذا الاستعداد يختلف بشكل يومي أيضاً: فأحياناً تستيقظ ابنتي وهي تريد أن تكتب أو تقرأ، وأحياناً لا تريد. وفي بعض المرات تركز في اللعب أو العمل ساعة كاملة، وأحياناً تريد أن تقوم بشيء آخر أو اللعب في الخارج. إن مراعاة استعدادها الشخصي أمر مهم جداً.
2- الممكنات (Potentials):
تختلف اهتمامات كل شخص وقدراته اختلافاً كبيراً عن غيره، لكن المهم هو الجدية في العمل على ما يحب أن يقوم به. لذا، نريد أن نوفر لابنتنا ما تريد تحقيقه وتعلمه بنفسها منذ وقت مبكر، وأن نساعدها في توسعة مداركها ما أمكن لكي تختار ما تجد نفسها فيه دون أن تضيع وقتها في أمور لا تهمها كثيراً ولا تحبها. خصوصاً أن التعليم الذاتي هو الذي يبقى مع الفرد: معرفته لما يهمه وما يحبه، وليس التعليم الإلزامي الذي يختفي كل ما فيه من عقل الطالب بمجرد تقديم الامتحان.
كذلك الأمر بالنسبة إلى التركيز على التخصص المستقبلي، خصوصاً أن بيئة العمل آخذة في التغير بشكل كبير يوماً بعد يوم بفضل التكنولوجيا، فهنالك وظائف قد اندثرت أو أصبح التدخل البشري فيها محدوداً، وأخرى تزدهر ويزداد الطلب عليها سنة بعد سنة. هذا كله يصعب على المدارس مواكبته مع الوقت الطويل الذي يستغرقه إعداد المناهج واعتمادها.
3- التطوير المستمر:
ربما لا تنطبق هذه النقطة على ابنتنا فقط؛ بل علينا كوالدين أيضاً! فنحن نتعلم مع ابنتنا، ولا نعلمها فقط. وهذا الأمر دافع للتعلّم المستمر من ناحية، وفي قربنا من بعضنا من ناحية أخرى، وفي معرفتنا لاهتمامات بعضنا بعضاً من ناحية ثالثة.
وبصفتي أماً تسعى للتعليم المنزلي، فإنني أقرأ كثيراً عن طرق التعليم وطرق تعلم الطفل ومناهج التعليم المختلفة. قد تهتم بعض المدارس -وليس جميعها- بتطوير مدرسيها، ولكن مهما كان، فلن يكون كالجهد المكثف الفردي حسب معرفتك باحتياجات طفلك الخاصة، كما يمنحني هذا المرونة في التعديل بسرعة إذا لم تكن الطريقة نافعة أو مثيرة لاهتمام الطفل بدل الاضطرار للالتزام بسياسة المدرسة مثلاً. فعلى سبيل المثال، فليس عليّ أن أكرر الحروف والأرقام لمدة 3 سنوات إذا كانت ابنتي تستطيع قراءة الكتب بحلول ذلك الوقت! وإن كانت بطئية في شيء آخر، فليس عليها أن تشعر بالعجز فيه لمجرد أن جميع الأطفال سبقوها فيه، بل يمكنها العودة إليه عند استعدادها شخصياً له.
4- الوقت الفردي والتعزيز (بالمكافأة أو التشجيع أو غيرهما) في كل مرة:
في المدرسة، وحتى عند توافر أفضل النوايا وأكبر الاهتمام من المدرّسين، فإن الوقت الفردي المخصص للطفل محدود جداً، ويُقدّر بأنه يكون بمتوسط 3 دقائق في اليوم، رغم أن هذا الوقت هو الأكثر أهمية بالنسبة إلى الطفل وإلى تلقيه للاهتمام اللازم له. كما أن المدرّسين لن يتمكنوا من تعزيز كل عمل صحيح أو سلوك جيد يقوم به الطفل في كل مرة، بل عندما ينتبهون إلى وجوده فقط، أو إذا كان الطفل مبادراً ليريهم ما قد فعله. في التعليم المنزلي، ولوجود الاهتمام المستمر، فسيتم تعزيز الطفل في كل مرة.
٥- الحرية والمرونة:
نحن عائلة متعددة الأعراق والأعمال! ونحاول ما أمكن أن نعد جداولنا في العمل بحيث نستمتع بوقتنا الشخصي والعائلي، ونتمكن من السفر والحركة وزيارة الأهل والأقارب في الأوقات التي تناسبنا نفسياً وحسب اختلاف ظروفنا واختلاف الطقس. هذه الحرية ستكون أكثر تقييداً عند الالتزام بالدوام المدرسي.
كذلك الأمر بالنسبة إلى حرية التعلم! فمهما كانت المناهج معدة بشكل جيد، فإنها مقيدة بسياسة الدولة و"تجميع" معدّي المناهج. بينما القراءة الحرة حسب رغبة الطفل واهتماماته الحالية، أو حتى اهتمامات الأهل، والظروف المختلفة التي يمكن أن تجعل الطفل إما يقرأ فيما يحبه 24 ساعة أو لا يرغب في القراءة حالياً (لظرف وفاةٍ أو مرض أو أي أمر قاهر) دون أن يشعر بأنه قد "فاته شيء" أو تأثر أداؤه كما هو الحال في المدرسة.
حرية ارتكاب الأخطاء أيضاً أمر مهم؛ فمنها يتعلم الشخص، وليس من الضروري التعرض للتقريع لأي خطأ عادي يرتكبه، فما بالك بالخطأ في التعلم؟ وكأنك تعاقب الطفل الذي يحاول أن يتعلم المشي بالصراخ عليه! سيزيد ذلك من تأخره، عدا عن تحطيم تقديره لذاته نتيجة تقريعه أمام الآخرين.
الخطأ أمر طبيعي ووراد، وحين تخطئ ابنتي، أقول لها بهدوء إن هذا خطأ، فأصبحت الكلمة وصفاً عادياً لعدم نجاعة الأمر، وليست تهمة تحاول التنصل منها، كما أنني -كما ذكرت أعلاه- أتقبل منها أن تقول لي أني أخطأت؛ فأصبح النقد البناء متبادلاً بيننا حتى وهي لم تكمل الثلاث سنوات بعد!
اقرئي أيضاً: