الأطفال ما قبل المدرسة
ميرا جرّار: نصائح للتعامل مع الأطفال الانتقائيين لطعامهم
بقلم: ميرا جرار - سفيرة ثورة جيمي أوليفر الغذائية في الأردن. وصاحبة مشروع Mira's young chefs
ما بحب السمك! ما بدي آكل! بدي شيبس! أنا بكره العكوب!
يتحفنا أطفالنا الانتقائيين ببعضٍ من هذه العبارات كل حين وآخر. ولهذا سأشارككم بعض النصائح من تجربتي الخاصة كأم، ومن تجربتي مع الطهاة الصغار، والتي وجدت أنها فعالة في التعامل مع هذه المواقف.
إن أبي وأمي يعشقون الخضار والفواكه و الطعام الصحي. ولأن أطفالي مرتبطون بجدهم وجدتهم وقريبون منهم، كبر أطفالي وهم معتادون على تناول الأطعمة الصحية المتنوعة، لأن الطفل عندما يرى هذا التنوع في الطعام ويرى أن الجميع يتهافت على تناوله، فإنه بالتأكيد سيحب أن يجربه.
لذا من المحبذ أن يكون تناول الأطعمة المتنوعة عادة في المنزل:
- إن جعل شراء الخضار والفواكه وتقديمها في المنزل تجربة ممتعة للأطفال، يساعد على اعتيادهم على وجودها ومعرفة أسمائها. كما أن اصطحاب الأطفال إلى سوق الخضار تحديداً لشراء ما يحبون ولتحدي أنفسهم بتجربة شيء جديد، يحمسهم لتناول أطعمة متنوعة.
عندما كان والدي يساعدني بإحضار الأطفال من الحضانة، وذلك بعد ذهابه لصلاة الظهر في المسجد الذي يعج في هذا الوقت بالباعة المتجولين، والذين يبيعون وبعروض ممتازة ما لذّ وطاب من الخضار والفواكه، كان يقوم بسؤال الأطفال عن أنواع الخضار التي أحضرها، ويدعهم يخمنون ما هي:
نوع من الخضار نأكل جذوره، أوله منافع وآخره مدافع، ماهو؟ إشي بخليك قوي مثل العجل؟... طبعاً هو الفجل
نبات نأكل ثماره ... وجه أسود وقلبه أبيض، ما هو؟ بنعمل منه سلطات وفتات وطبخات؟... الباذنجان
الكوسا بتخليك قوي مثل النبي موسى... وهذا كان يدفع طفلي الأصغر سناً على تفقد عضلاته بعد تناول وجبة من الكوسا!
ما كنا نغسل كل الخضار ونرتبها على الطاولة بشكل جميل، ومن ثم يبدأ والدي بلعب لعبة سوق الخضار: حيث يكون هو البائع الذي يُسوّق لبضاعته وهم المشترون! من يشتري البروكلي بدينار؟ لاتفوتوا الفرصة! .. صحّارة البوملي بدينارين! ماذا تريد أن تشتري؟
- يعد إشراك الأبناء بإعداد وجبات الطعام من أهم الطرق التي تشجعهم على تناول الطعام الذي لم يعتادوا عليه، فالطفل كالكبير، يحب أن يأكل ما أعده بيده، لأن هذا يبني ثقته بنفسه.
وزيادة على هذا، يحب الطفل عادة أن يأكل القطعة التي أعدها بشكل خاص. كثيراً ما كانت والدتي تضع النكاشة على حبة الكوسا التي حفرها أو حشاها ابني وإن كانت غير متقنة، وكان هو ينتظر ظهور هذه الحبة بالذات على الطبق!
كانت معلمة ابني الأصغر في الروضة تسأله دائماً عن غدائه في ذلك اليوم؟ فكان يفاجئها بأكلاتٍ حتى الكبارُ لا يميلون إليها عادة، مثل الأينبيط (القرنبيط) والأَيِع (القرع). فهو اعتاد أن يمر على جدته قبل ذهابه إلى المدرسة . كانت تبدأ في هذا الوقت بإعداد الطعام، و كان يشاركها بالإعداد في كثير من الأحيان.
هناك الكثير من الطهاة الصغار في دروس الطهي التي أقيمها ممن يكرهون الخس أو الملفوف، ولكنهم في نهاية الحصة يأكلون السلطة! نعم، يأكلونها وسط دهشة أهلهم، كيف؟ لأن الطفل هو من غسل الخس ونشّفه بأداة التنشيف الممتعة، ومن ثمّ قطّعه بالسكين! نعم يجب أن نعلّم أبناءنا كيف يمسكون السكين (ولكن بالطبع مع استخدام الأدوات المناسبة والمراقبة الدقيقة واللصيقة) مثلما نعلّمهم القراءة والكتابة، لأن هذا بكل تأكيد سيعدّهم لحياة صحية.
- كوني قدوة لأبنائك ولا تنتقدي أنواع الطعام الذي لا تحبينها بشدة وبطريقة مقززة، القلقاس مثلاً ليس من أكلاتي المفضلة ولكن عندما أطهوه للغداء أقول لهم: "أنا آكله بالرغم من أنه ليس من أكلاتي المفضلة". ما أجمل نصيحة جدتي لي ولزوجي يوم تزوجنا، حيث قالت لنا "اللي بيجيبه زوجك بتطبخيه، واللي بتطبخه مرتك بتاكله".
- لا تصدري أحكاماً مطلقة وتجعلينها سمة من سمات أبنائك، مثلاً: "ابني لا يحب التفاح المطبوخ"، أو "ابني لا يأكل الباذنجان"! وفي نفس الوقت، لا تجبريه على تناول طعام لا يحبّه، ولكن من الأفضل أن تطبخيه من وقت لآخر فهذا قد يساعده على التعود عليه.
كان عندي حصة لإعداد البيتزا، وفي نهاية الحصة ونحن نتناول ما صنعنا، دخلت إحدى الأمهات فوراً وقامت بنزع حبات الزيتون من قطعة ابنها، وقالت: "ابني لا يحب الزيتون"! دهشت لذلك، لأن ابنها لم يعترض على وجود الزيتون وكان يأكله مع البيتزا. في بعض الأحيان، نحن من نجعل أبناءنا يعترضون على الطعام.
- أطلقي بعض الأسماء المضحكة والغريبة على بعض الأكلات، واربطيها بقصص واقعية،مثل: "سلطة الطوارئ"! و"ساندوتش خضار بالكماج من غير لحمة أو دجاج"! واجعلي منظر الأكل ممتعاً، واستخدمي تقنيات جميلة في التقطيع والتقشير. وهذا مجاله واسع قد نتعلمه عن طريق مشاهدة الفيديوهات على الإنترنت.
- قومي بإدخال الأطعمة الجديدة مع الأطعمة المجرّبة والتي يحبها أطفالك. عندما ابتكرت ساندويشات (خضار بالكماج من غير لحمة أو دجاج)، وذلك يوم احتفالنا بيوم الثورة الغذائية عام 2015 ، أدخلت الكوسا والباذنجان المشويين مع الذرة! كان الجميع يحب الذرة، ولذلك تناول الأطفال الكوسا والباذنجان معها وسط دهشة الأمهات! وهم يطلبون الآن عمل هذه الساندوتش مرة أخرى في البيت. (أيضاً، علينا أن لا ننسى أن الأطفال هم من قطع الخضراوات.)
- قومي بسرد قصص واقعية عن أشخاص كانوا لايحبون نوعاً من الأطعمة والآن أصبحوا يتناولنه، أو اقرئي لهم قصصاً تجدينها في المكتبات عن أناس امتنعوا عن تناول الوجبات السريعة والمصنّعة وعن السبب وراء ذلك. تحدثي معهم أيضاً عن مضار الأطعمة المصنّعة والملوّنة. هناك الكثير من الفيديوهات التي تتحدث عن ذلك، وخصوصاً فيديوهات الشيف جيمي أوليفر.
وقولي لأطفالك هذه المقولة التي أثرت بابني الصغير" إذا لم تخطط لصحتك فأنت بالتأكيد تخطط لمرضك". بعد سماع هذه المقولة، قرر ابني شراء علبة فراولة بدلاً من كيس الشيبس.
- لا تفقدي الأمل، حاولي مراراً وتكراراً وقولي لأطفالك: "أعط هذا النوع فرصة أخرى. لا تتخذ موقفاً نهائياً من الباذنجان. إن طعم الباذنجان المشوي في طبق المتبل مختلف عن طعمه وهو مقلي، ومختلف عن طعمه مسلوقاً في حبة الرمانة، ومختلف عن طعمه في المكدوس. تذوق لقمة، فإن لم تُعجبك إرمها في سلة القمامة ... لن يحصل لك شيء."
- لاتبقي الشيبس والبيبسي والحلويات في خزانة المؤونة في البيت. هذا ما فعلته شخصياً في بيتي. إذا اشتهى أولادي شيئا منها، يجب أن يبذلوا مجهوداً ويذهبوا للدكان لشرائه. ضعي في خزانة المؤونة والثلاجة الأطعمة الصحية من فواكة وخضراوات، وعيدان الكعك المملح، والكعك البيتي قليل السكر والمكسرات.
ابدئي أيضاً باصطحاب أطفالك معك لشراء حاجيات المنزل وهم صغار، وأشيري إلى بعض الأطعمة وعلميهم أن هذه الأطعمة مضرة، أو مشبعة بالدهون، أو مليئة بالسكر، أو تحتوي على ألوان صناعية، لذا نحن لا نشتريها. وأشيري أيضاً الأطعمة المفيدة ووضحي أنها أفضل،لأنها طازجة، أوغير مصنعة، ولا تسبب الأمراض المرتبطة بسوء التغذية.
- إن المحافظة على روتين يومي في تناول الوجبات الغذائية والوجبات الخفيفة مهم جداً في التقليل من رفض أنواع الأطعمة المقدمة، ومن تناول الوجبات غير الصحية.
- إياكِ وملاحقة الطفل بصحنه وتلقيمه طعامه لمدة ساعات، فهذه عادة سيئة، اجعلي وجبة طفلك صغيرة حتى تقللي من حدوث ذلك.
- إن الأطفال الذين يزرعون بأيديهم يميلون أكثر ليأكلوا مما يزرعون. فلماذا لا تبدئين بعمل حديقة صغيرة على شباك المطبخ، وعيشي هذه التجربة الممتعة مع أطفالك.
- عودي زوجك وأطفالك من عمر مبكر على تناول الطعام وهم مجتمعين معاً. أوعلى الأقل تناولي أنت وجبة الطعام مع أطفالك. إن المشاركة تفتح الشهية، وبما أنك قدوتهم، فسيتبعون عادات في الأكل.
كان ابني الأوسط أحمد يجلس بجانب جده عند تناول الطعام، ويقوم بترتيب صحنه تماما كجده، ويقلد جده في تناول طعامه. كان جده مثلاً يأكل الفجل مع السبانخ، وكان يأكل زيتونًا أخضرمع شوربة العدس. وكان أحمد يقوم بعمل نفس الشيء. كان جده يحب أن يأكل الملوخية غماس، وكان أحمد يقلد جده، وإن احتاج بعدها إلى حمام فوري! نعم دعي طفلك يأكل بيده مع الجماعة، حتى ولو اتسخت ملابسه واتسخت الطاولة، وسقط بعض الطعام على الأرض. لا تجعلي من الوجبات أوقاتاً يصاحبها الصراخ والإجبار والضغط، لأن هذا لن يأتي بنتيجة. وفي حال رفض الطفل تناول وجبته، استمري في تناول الطعام، والتلذذ به، وصفي لطفلك كيف أنك أوخالتك أوعمك يحب هذه الأكلة، وكم هي مفيدة.
- ابحثي أخيراً عن بدائل أخرى، فإذا كان طفلك لا يحب الحليب، اعرضي عليه تناول اللبن بدلاً منه.
هذه بعض النصائح التي وجدتها مفيدة من خلال تعاملي مع أطفالي والطهاة الصغار، ومراقبة كيفية تعاملهم مع الطعام وردود أفعالهم تجاهه. جرّبيها، وتذكري بأن المجهود الذي تبذلينه الآن سيترجم إلى نظام صحي يتمتع به طفلك الآن وفي المستقبل.
اقرئي أيضاً: