قصص أمهات
تجربتي مع الرضاعة الطبيعية قصيرة ولكن...
"حاولي رضعي بنتك" بهذه الكلمات استقبلت ابنتي فايا بين أحضاني، ومنذ لحظات ولادتها الأولى كان من الضروري أن أحاول وضعها على صدري وإرضاعها.
وقد كانت المحاولة ناجحة وذلك لتمكن طفلتي من إمساك صدري بشكلٍ جيد والبدء بالرضاعة، مررت بعد ذلك بأسبوع من نوبات من الألم المتواصل في صدري وذلك نتيجة الزيادة في إدرار الحليب، وكنت أعاني من اتساخ ملابسي المستمر مصحوباً بألم في حال تأخرت فايا في وقت رضاعتها.
نصحتني طبيبتي بمعالجة الاحتقان بتدليك الصدر بالمياه الدافئة، وهو ما قمت به وساعدني كثيراً، مع الوقت صار إنتاج الحليب أكثر توازناً ولم أعد أعاني من أي ألم.
إن مشاعري في تلك الفترة كانت متضاربة، فقد أدركت أن أجسادنا بتكوينها تخدم أمومتنا وتقدم لنا حياةً فوق حياتنا، فكم هو مثيرٌ للإعجاب أن يعيش المولود على ما يفيض به جسد أمه من الغذاء المخصص له، وكم أن الله لطيفٌ بنا ليجعلنا نبقى متواصلين مع من حملتهم أرحامنا شهوراً وكأن أجسادنا ليست مستعدة بعد للتخلي عنهم.
إن هذ المرحلة كانت على أهميتها من أكثر المراحل صعوبةً في بدايتها، ولم تكن ابنتي تنامُ بشكلٍ جيد في الليل مما جعل الجميع حولي ومن بينهم الطبيب يقنعونني بضرورة ادخال حليبٍ صناعي لأن بكاءها المستمر لا بد أن يكون سببه عدم الشبع!
ولكنني لم أرغب أن أنصاع لأوامر وتعليمات أحد خاصةً وأن وزنها كان في تزايد وكانت تنام في كثيرٍ من الأحيان أكثر من ثلاث ساعاتٍ متواصلة، لذلك كنت مصرة أن ما تعاني منه طفلتي ليس إلا نتيجة انفصالها عني وأنها تحتاج لوقتٍ حتى تعتاد على عالمنا.
في الشهر الأول بعد الولادة كنت أقضي معظم وقتي في الرضاعة وعلى الرغم من نصائح الآخرين بأن علي تركها تبكي وعدم إرضاعها إلا في أوقات معينة، إلا أنني آثرت أن أسير حسب رغبتها وأن أحاول تنظيم نومها بالتدريج، وبعد مرور الشهر الأول أصبحت أكثر تفاعلاً وبدأت تشبع بشكلٍ أسرع وأصبح بإمكاني الخروج معها بشكل أسهل.
تحولت الرضاعة لأمر اعتيادي وجزء من يومنا ولم تعد تلك المهمة الغريبة أو المزعجة بل كنت أحاول أن أحافظ على هذه الرابطة قدر الإمكان، لكن وبسبب عودتي إلى العمل اضطررت أن أقوم بإدخال الحليب الصناعي، ومن ثم ومع مرور الوقت أصبحت تعتمد عليه بشكل ٍ أكبر، وتوقفت عن قبول الرضاعة الطبيعية تدريجياً لوحدها وخاصة عند السفر.
لم أمر بمرحلة الفطام والتي سمعت عنها الكثير، ولم أعاني من مشاكل في توقف إدرار الحليب، الذي توقف بعد فترة بسيطة بدون ألم أو أي تدخلٍ مني.
كنت أتمنى لو أنني استطعت إتمام السنة الأولى في إرضاع طفلتي، لكن بالرغم من ذلك، كانت هذه الفترة مهمةً جداً، استطعت خلالها أن أعطي ابنتي جزءاً مني وأن أمدها بما تحتاجه في الأشهر الأولى من حياتها.
وتعلمت خلال هذه التجربة أن الأم دائماً تعلم ما هو الأفضل لها ولمولودها، وأننا علينا أن نترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي دون أي تدخلات خارجية إذا استطعنا ذلك.
وأن علينا تقدير أجسادنا بشكلٍ أكبر والحفاظ عليها فهي تلك الأجساد الغضة القوية في آن، القادرة على الرغم من تعبها ووهنها أن تحمل روحاُ في داخلها، وأن تعطي الغذاء لإنسانٍ أخر يقوى به في بداية حياته.. تلك الأجساد التي تفيض حباً وحناناً وغذاءً للروح وللجسد، فالرضاعة الطبيعية فيها منفعة للطفل وللأم على السواء، وهي تساعد كلا منهما في التعافي والحياة.
كوني واثقة بنفسك وبجسدك وحاولي أن تعطي نفسك الفرصة لتعيشي مرحلة الأمومة بكل تفاصيلها، لأن الصغير سرعان ما سيكبر، وسيبدأ بالابتعاد عنك، ويبقى الحب الذي تمنحينه له يرافقه دائماً مهما تبدلت أشكاله.