الأطفال ما قبل المدرسة 4-5 سنة
لماذا اخترت اللطف والهدوء في التعامل مع أطفالي بدل العصبية
لطالما تساءلت عن أسلوب التربية الأنسب لأولادي، كيف أعلمهم وأجعلهم يدركون ما يضرهم أو ينفعهم بعيداً عن الصراخ والعصبية؟ هل هذا ممكن؟
في كل مرحلة تراودني أسئلة جديدة، كان آخرها عندما بدأت بالتساهل معهم منذ العام الماضي في موضوع السهر (بعد أن تجاوزوا ال 12 سنة)، فصرت أسمح لهم أن يتأخروا في النوم، خاصة مع وجود الحظر الذي منعنا عن الكثير، وكنت كلما استيقظت ووجدتهم جالسين مستمتعين، أستذكر نفسي وأنا طفلة، كم كانت تسعدني أوقات السهر تلك خاصة عندما كان أهلي ينامون ونبقى نحن نمرح ونتسلى معاً لكن بالطبع دون أي إزعاج!
ثم أتذكر ذلك المشهد المتكرر لوالدتي العزيزة -أسأل الله لها الصحة والعافية- بشكل شبه يومي، وقد استيقظت في منتصف الليل ووجدتنا جالسين نشاهد التلفاز أو نلعب لعبة ما، فتقول لنا ذات الجملة في كل مرة: "يا بناتي ربنا في سماء الدنيا يقول هل من داعي فأستجيب له، قوموا صلوا ركعتين وادعوا ربنا وارجعوا اتفرجوا".
حسب ما أذكر كنا في أغلب الأيام نقول لها: "طيب يا ماما" لكننا لا نفعل، ثم يتكرر نفس المشهد في اليوم الذي يليه. واليوم أسأل نفسي: كيف كانت أمي تسيطر على أعصابها ولا تصرخ علينا في كل مرة تأمرنا فيها بالصلاة ولا نستمع لكلامها؟! لماذا لم تشترط علينا إغلاق التلفاز أو إنهاء اللعبة التي في أيدينا حتى نؤدي صلاتنا كما كنت أرى غيرها من الأمهات تفعل ذلك؟
أمي لم تنظر إلى الأمر من ناحية شخصية وأن عدم استجابتنا لكلامها هو إهانة شخصية لها، كان هدفها التذكير وأن تعلمنا ما ينفعنا في ديننا ودنيانا بشكل مستمر، وبعد كل هذه السنين بقي صوت أمي الهادئ في رأسي كلما سهرت وقمت لأصلي ركعتين في الليل.
نحن كأهل نتمنى أن يقوم أطفالنا بكثير من الأمور وأن يتعلموا ما ينفعهم، لكن هل أسلوب تعاملنا معهم يوصلنا إلى النتيجة التي نريد؟
مع العلم أن التربية والوالدية تكون نتائجها غالباً بعيدة المدى تظهر بعد مدة، خاصة عندما يمر الأطفال في مراحل عمرية مختلفة تتطلب منا أسلوباً مختلفاً وطريقة تعامل خاصة.
الكثير من الأهل، وأنا أولهم، يمكن أن ننفعل ونغضب في حال لم يستجب أطفالنا لنا عندما نكلمهم، فنعتبر أن في موقفهم شيء من قلة الاحترام لنا كأمهات وآباء.
لكن لو أخذنا موقف أمي كمثال، هل انفعالها كان سيغير من النتيجة؟ ربما كنا سنقوم متثاقلين إلى الصلاة أو تظاهرنا بأدائها، أو ربما كذبنا وقلنا بأننا قمنا بها، ولا أعتقد أن هذه ستكون ذكرى جميلة بالنسبة لنا في المستقبل.
كأهل ومربين نحتاج إلى أن نفكر ونقيم أنفسنا جيداً فيما إذا كانت تصرفاتنا وأسلوبنا في التعامل مع أولادنا فعلاً يجعلهم يتعلمون ويطورون من أنفسهم أم أن النتيجة تكون عكسية! هل اتباعنا لأسلوب العقاب والصراخ له أي مفعول إيجابي على المدى الطويل بالنسبة لهم؟!
وهل نريد لأطفالنا أن يقوموا بما نطلبه منهم نتيجة خوفهم من العقاب فقط؟ أم أننا نريد أن نزرع ذلك في أنفسهم، حتى إذا ما كبروا ولم يكن هناك أحد ليعاقبهم أو يحاسبهم اختاروا الصواب وما ينفعهم دائماً.
طبعاً لا يمكنني أن أدعي المثالية وأن أقول لكل الأهالي أن يكونوا هادئين دائماً يتكلمون بلطف مع أطفالهم بعيداً عن العصبية، فلكل أم وأب ومربي طاقة استيعابية وقدرة مختلفة على التعامل مع ضغوط الحياة وتحملها، فلا يمكن أن تكون ردة فعلنا دائماً كما نتمنى.
لكن من الحكمة أن نراجع أنفسنا ونكون واعيين لأفعالنا وأسلوبنا في تربية أبنائنا، وأن نضع نصب أعيننا دائماً هذا السؤال: هل ما نفعله مع أولادنا يقربنا من النتيجة التي نطمح إليها أم لا؟
وبناءً على ذلك تكون تصرفاتنا، برأيي من الضروري أن نترك في المنظومة التربوية التي نتبناها في التعامل مع أولادنا مساحة للتسامح واللطف في النصيحة.
أقول هذا من أسلوب والدتي الذي وجدته مع الوقت مجدياً في كثير من الأمور، ومن تجربتي الخاصة أيضاً مع أولادي، فاللطف والهدوء في التعامل يصنع فرقاً كبيراً ويكون له تأثيره على سلوك الأولاد واستقبالهم للنصائح وما يطلب منهم.
فالموضوع تماماً مثل البذرة التي نزرعها ونسيقها ما تحتاجه من الماء ونعتني بها، إلا أننا لا نملك أن نسرع في نموها، ولا يمكننا في نفس الوقت أن نعاتبها ونحاسبها لأنها لم تنمو بسرعة فقط لأننا أمرناها بذلك!
وأولادنا كذلك، يجب أن نلاحظ اهتماماتهم ونوفر لهم البيئة المناسبة ونعطيهم الحماية والعطف ونوجههم بالطريقة الأمثل لينمو ويكبروا ويتمكنوا من اتخاذ قراراتهم بشكل سليم وواعٍ في هذه الحياة.
أما كيف يمكننا أن نوسع من طاقتنا الاستيعابية لنختار تصرفاتنا ونترك ردود الفعل العصبية الغاضبة غير المدروسة فهذا سيكون موضوع المقالة القادمة بإذن الله..