قصص أمهات
تجربة ابني الأولى لجهاز المشي… مشوِّقة!
بقلم: هبة زوانة، أم لثلاثة أطفال
منذ أن بلغ ابني الثلاثة أشهر من عمره شعرنا أنه متأخر بالتطور عن أقرانه، لم نستطع تحديد ما خطبه فقمنا بزيارة طبيب أطفالنا الذي حولنا إلى طبيب أعصاب للأطفال وطلب منا إجراء العديد من الفحوصات ومنها صورة رنين مغناطيسي لدماغه.
عندما ظهرت النتائج أخبرنا الأطباء أن هناك نقص في المادة البيضاء وقد يؤثر على تطوره الفيزيائي. ومن هناك بدأنا في رحلة العلاج والمتابعة ومع ذلك ومع جميع الفحوصات والزيارات الدورية لم يتم تشخيص حالة ابني حتى الآن وقد بلغ من العمر إحدى عشر عاماً!
طوال هذه السنوات ونحن ننتظر إنجازاً بعد الآخر، كنت أسجل نجاحاته وكلي فخر به. كنت أشعر بسعادة غامرة كلما وصل إلى هدف وضعه المعالجون أو كلما تخطى توقعاتنا بمهاراته وذكائه.
مررنا بتجارب عديدة ولكن لا شيء يشبه هذه التجربة فقد كانت من أكثر اللحظات انتظاراً لأنه وأخيراً جاء اليوم الذي أستطيع أجعل ابني يقود جهاز مساعدة المشي (الووكر Walker) ونخرج معاً… مهارات المشي لديه باستخدام الووكر تحسنت وتطورت…
بطيئة هي خطواته وما زالت متعثرة إلا أنها تدعونا إلى تجربة جديدة طالما تمنيتها… وحاولت تجربتها في الماضي رغم تعثرها في كل مرة… أودّ أن أقول هنا أن أمنياتي لطفلي الذي لم يعد طفلاً كما يرى نفسه… كثيرة وطموحة… بل هي أمنيات جبارة… ومن دون إيماني برب العالمين… لكنت اليوم في أحد المصحات العقلية!
حملت الووكر ووضعتها في سيارتي … وجلس أطفالي وعيونهم متفائلة بهذا المشوار… الذي سيحدد إن كنا قادرين على تجاوزه ومروره بسلام دون حوادث تحرجنا…
اخترت أحد الأسواق التجارية غير المكتظة فلا أريده أن يتعثر بأحد المارة… ويسبب الحرج لهم ولنا… فلا أعرف ما قد تكون رد الفعل لهكذا موقف..
نزلنا من السيارة بهدوء ومجهود بسيط… ودخلنا السوق التجاري وعيوني تجري حولي… وتراقب وترقب كل شيء…
ركض أحد الأطفال باتجاه ابني وصار يكلم أمه من بعد أنه يريد مثل هذه اللعبة… فهي ملونة وتلفت النظر!
كنت أراقب ردود الأفعال والنظرات… الطبائع تختلف من شخص لآخر… كنت جاهزة لكل هذا… وأيقنت حقيقة أن مجتمعنا يستطيع أن يستوعب أطفالنا ذوي الاحتياجات الخاصة وان يخرجوا ويستمتعوا بطفولتهم بأي مكان وزمان… إلا أن بعض الأشخاص أيضاً يستوقفوك لتفكر… هل أنا جاهزة أم لا… دائماً اتحدث عن جهوزيتي أنا كأنني أنا التي أعاني من مشكلة حركيّة…
جعلته يمشي لمسافة طويلة… وكأنني أسير على نار! لا أريد أن المح نظرات الآخرين… بقيت متيقظة له ولإخوانه المتحمسين ليركضوا هنا وهناك… كنت بطيئة كما بطئه… لماحة لكل من حولي.. لا أريده أن يتعب في أول تجربة ولا أن يتعرض لموقف يولد رد فعل تجعله يكره استخدام الووكر أمام الجميع…
وقفنا أمام المصعد وضغطنا على زر الصعود، وجاء العديد من الناس وراءنا يريدون استخدامه أيضاً. منهم من كان ينظر إليه وآخرين يخفون نظراتهم المليئة بالتساؤلات والاستفسارات… أو هكذا ظننت…
جاء دورنا لدخول المصعد… تهافت الناس للصعود غير آبهين أن الدور لنا وأن ابني يحتاج دقيقتي انتظار منهم… لكن بعضهم لم يكترث… صعدوا دون انتظار ولا حتى إيقاف المصعد… حركة متوقعة من مجتمع لم يعتاد على تواجد ذوي الاعاقات حولهم وفِي كل مكان…
انتظرنا المصعد مرة اخرى لعلنا نستطيع الآن أن نأخذ دورنا دون أن يأخذه أحد بسبب بطء ابني وهكذا كان ركبنا المصعد وأكملنا مشوارنا وتجربتنا الأولى اللطيفة..
تجربتي تدفعني للقول بضرورة أن تستوعب عيون الناس ونظراتهم لوجود ذوي الاحتياجات الخاصة بكل حالاتهم وبكل الأماكن وأن نبدأ بتعليم أطفالنا أن هذه الفئة هي إنسان وجد على هذا الكون مثلي ومثلك…
في نهاية مشوارنا… كافأت الجميع بمشروبنا المفضل في أحد المقاهي!
اقرئي أيضاً: