قصص أمهات
السرطان كان بالنسبة لي بداية لحياة جديدة
بقلم: نانسي النجداوي، أم لابنتين
أنا نانسي النجداوي عمري 45 سنة، زوجة وأم لابنتين هما فرح (22سنة) وزينة (10سنوات).
بدأت قصتي مع مرض سرطان الثدي في العام 2016 أي قبل ثلاث سنوات من الآن، حين كنت أرافق ابنتي زينة التي كانت تعاني من التهاب في اللوزتين إلى عيادة طب الأسرة.
وبعد أن انتهينا من معالجة زينة، أخبرت الطبيبة بأني أشعر بتعب عام وإرهاق، وأني أرغب بعمل فحوصات شاملة لعلي أشكو من نقص في بعض الفيتامينات..
وبالفعل طلبت الطبيبة الفحوصات اللازمة، ومن ضمنها الماموغرام للثدي كوني تعديت عمر الأربعين.
أجريت كافة الفحوصات المطلوبة وبقي فحص الماموغرام والذي كان يتم بأخذ موعد في العيادة لإجرائه ولكون جهاز الماموغرام كان معطل في المستشفى ذهبت إلى مركز آخر لأخذ موعد
وكان الموعد المميز وبالتاريخ المميز 16/6/2016 المصادف للحادي عشر من شهر رمضان، حيث أخبرتني طبيبة الماموغرام بوجود كتلة في الثدي اليمين، وقامت بالتأكد من حجمها بفحص الألتراساوند بعد إعادة الماموغرام مرتين، وطلبت مني ضرورة إجراء عملية الخزعة للاطمئنان على حالتي الصحية وبأسرع وقت ممكن.
وهذا ما كان، عدت إلى المستشفى وقمت بإجراء الخزعة على الفور، وبعد أسبوع واحد ظهرت النتائج.. تم إبلاغي بما لا يدع مجالاً للشك بأني مصابة بسرطان الثدي!
وقع الخبر عليَّ وعلى ابنتي فرح والتي كانت برفقتي كالصاعقة، انهرت انهياراً كاملاً، بكيت وبكت فرح ودخل كل من كان في العيادة إلى الغرفة حيث كنا لتهدئتنا، وحضر زوجي من عمله وأختيَّ من أشغالهن... انهار الجميع من حولي بالرغم من محاولاتهم في مساندتي وتقويتي.
لم أكن أتوقع أن أسمع هذه الكلمات بأذني، وأنها ستوجه لي أنا تحديداً، وأن يقول لي أحدهم "أنتِ مريضة سرطان"، خاصة وأنني لم أشعر بأي أعراض للمرض على جسمي، ربما لهذا السبب يحمل اسم "الخبيث".. فالكتلة كانت داخلية وغير ظاهرة.
بعد تلقي صدمة الخبر بفترة وجيزة اتخذت قراري بتلقي العلاج الفوري، وذلك بعد الخوف الكبير الذي شعرت به تجاه ابنتي فرح وزينة، وشعوري بالمسؤولية اتجاههما وبمدى حاجتهما لوجودي في حياتهما..
فقررت أن أواجه المرض وأن أحارب ثم أخرج من حربي هذه منتصرة بعون الله عز وجل.
فكان مني أن توجهت بقلبي وجميع جوارحي إلى الله سبحانه وتعالى، خاصة وأننا كنا في الشهر الفضيل، وكنت متأكدة ومتيقنة في قرارة نفسي بأن الله سيمن علي بالشفاء العاجل، وسيكون معي ومعي ابنتي في هذا المصاب يمنحنا القوة والصبر في وجه الألم واليأس.
وفوراً وبعد استخارة الله سبحانه وتعالى اتخذت قرار العلاج في مركز للسرطان، حيث قمت خلال اليوم الأول بإجراء فحوصات شاملة ومكثفة، بالإضافة إلى فحوصات ماموغرام جديدة وخزعات للثديين وتحت الإبطين، وتبين أيضاً أن بعض الغدد الإبطية مصابة، وهذا يعني أنني كنت في المرحلة الثالثة من المرض.
في المركز لا يأخذ الطبيب قراره منفرداً بالعلاج بل يجتمع عدد من الأطباء كل حسب اختصاصه لمناقشة الحالة ودراسة الفحوصات والتقارير الطبية ومن ثم وضع خطة علاجية مناسبة لكل حالة، وكانت خطتي العلاجية: أخذ 8 جرعات كيميائي ثم عملية استئصال جزئي ثم علاج إشعاعي ثم علاج هرموني.
بدأت العلاج الكيميائي وكانت هذه أصعب المراحل وأكثرها إيلاماً!
وأخبرني الطبيب حينها بأنني سأفقد شعري قبل موعد الجرعة الثانية، وهنا أحسست بشعور غريب، كان مزيجاً من الخوف والرهبة والوجع والغثيان، شعور مختلف لم أنسه حتى اللحظة!
فشعر المرأة تاج لجمالها ومجرد التفكير بأني سأفقده كان يصيبني بالجنون.. كنت أسأل نفسي: كيف سيكون شكلي بعد كل هذا؟ وكيف سيراني زوجي وابنتاي؟ هل سأبقى جميلة في عيونهم كما كنت في السابق؟!
والأصعب من كل هذا كان والداي الذين لم أخبرهما بعد خوفاً عليهما من الصدمة، فكيف سأخفي عنهما ما حدث لي وعلاماته بادية على شكلي؟!
لكن قربي من الله في تلك الفترة جعلني أقوى وأصلب، وقررت أن أخوض معركتي مع المرض حتى النهاية، فما هي خسارتي المؤقتة لشعري اليوم مقابل فوزي بعمري القادم مع ابنتي فرح وزينة.
في الأسبوع الثالث من العلاج بدأت خصل شعري بالنزول في كل مكان، على وسادتي وعند الاستحمام، وحتى بمجرد أن ألمسه.
وعند نزول كل خصلة من شعري كانت دموعي تنهمر، أبكي ويبكي من حولي، حتى قررت عدم الانتظار وهاتفت أخي ليحضر لي ماكنة الحلاقة ويخلصني من هذا الألم النفسي!
حلقت شعري بالكامل، وأنا أشاهد وجه أخي المصدوم وعينيه المليئة بالدموع، لكن تماسكي وتلك القوة التي أظهرتها وإصراري على المواجهة، خفف كثيراً من وطأة الموقف على الجميع أخي وزوجي وابنتي، واستطعت تلطيف الأجواء ببعض الكلمات التي خففت من توترنا جميعاً.
جميعنا يعرف بأن العلاج الكيميائي ليس بالسهل وأن أعراضه صعبة وثقيلة ومؤلمة جداً، ولكن ما خففها عني هو الدعم الكبير الذي تلقيته ممن حولي، فلولا دعمهم الكبير الذي كان أكبر من حجم آلامي كلها لما استطعت المتابعة والصمود.
الدعم النفسي الكامل لمريض السرطان يساعد بشكل كبير في تقويته جسمياً ونفسياً، ويرفع من مناعته لمقاومة المرض، فإذا كان لديكم قريب أو صديق مصاب بهذا المرض الخبيث، لا تتركوه أبداً وقدموا له الدعم النفسي اللازم ليستطيع النجاة والاستمرار.
أنا شخصياً ساعدني في محنتي زوجي وإخوتي وأخواتي وأهل زوجي وصديقاتي، وغيرهم الكثير من الناس الذين وقفوا بجانبي خلال فترة العلاج، وساعدوني في بيتي وتكفلوا بابنتي، بالإضافة إلى دعوات أبي وأمي والجميع من حولي.. كنت أسمع دعائهم في الليل والنهار، كل ذلك كان يشعرني بالسعادة والحب بالرغم من مرارة العلاج وصعوبته.
انتهت هذه المرحلة بفضل من الله، وكلي إيمان بأن القادم أجمل بإذن الله وبأن لا وجع يدوم وأن كل ما حصل هو خير من الله.
أجريت عملية استئصالٍ جزئي وقمت بإزالة الغدد الإبطية، وبالرغم من صعوبة العملية إلا أنها مرت بسلام بفضل من الله.
أما ابنتي الكبرى فرح فقد كانت بمثابة أم وبنت وأخت وممرضة، كانت ذراعي اليمين التي تم إزالة الغدد منها، فرح ابنتي الصغيرة كيف كبرت فجأة وتحملت مسؤولية بيت بأكمله، مسؤولية أمها وأبيها وأختها الصغيرة ودراستها فهي كانت في الثانوية العامة، واضطرت لتأجيل فصلٍ دراسي لتكون بجانبي.
بعد التعافي من العملية باشرت بالعلاج الإشعاعي، وأنا الآن في آخر مرحلة من مراحل العلاج وهي العلاج الهرموني، وهو عبارة عن دواء يؤخذ لمدة خمس سنوات، أتممت منهم سنتان إلى الآن وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يمن علي وعلى كل مريض سرطان بالشفاء التام عاجلاً غير آجل.
وأخيراً أريد أن أوجه دعوة لكل الأمهات والنساء عامة، أن يحرصوا على الكشف المبكر للنجاة، فهو ينقذ الحياة ويزيد من نسبة الشفاء بشكل كبير.. وبالنسبة لي كان مرض السرطان بداية لحياة جديدة أفضل وأقوى وأجمل
حياتك مهمة فحافظي عليها من أجلك ومن أجل من تحبين، فهم بحاجة إلى وجودك بينهم.
ومن كل قلبي أشكر الذين ساندوني في أزمتي وكانوا بجانبي وأتمنى لكل من تمر بهذه التجربة القاسية أن تتعافى وتتسلح بالقوة والإيمان حتى تقهر المرض وتصنع الأمل..