الأطفال 6-11 سنة
كيف نتعامل مع الأنانية عند الطفل
في البداية يجب أن ندرك أن جميع الأطفال أنانيون بطبيعتهم، فعالم الطفل الصغير يتمركز حوله والأطفال الصغار يحملون وجهة نظر واحدة - هي وجهة نظرهم الخاصة، ومع الوقت والخبرة يتعلم الأطفال رؤية الأمور من وجهة نظر الآخرين. إن إدراك وجهة نظر الآخرين أمر ضروري لكي يستطيع الطفل فهم كيف يبدو الموقف للغير؟ ولماذا؟ وكيف يستجيب الآخرون.
ومن المفترض أن يتعلم الأطفال خلال السنوات الدراسية الأولى نقد أنفسهم وتقييم سلوكهم حسب معايير الآخرين، وهم يتعلمون ويكتسبون الخبرات من خلال تعاطفهم مع الآخرين أو تخيل خبرات الآخرين.
ويجب أن يعي الطفل بعمر الخمس أو الست سنوات تأثيره على الآخرين بحيث يتعلم وضع نفسه موضع الآخرين. "لو كنت مكانه"، وذلك لأن الاهتمام بالآخرين (أشخاص أو حيوانات) يتطلب إدراك كيف يمكن أن تشعر لو كنت في مكانهم. ويمكن للأطفال تخيل كيف يمكن أن يشعر من يؤذي أو يعذب، ويحاولون تجربة كيف يمكن أن يشعروا من خلال التمثيل، فهم يقومون بأدوار متنوعة، يمثلون أدوار حيوانات أو أشخاص رأوهم في حياتهم أو على شاشة التلفاز، فعن طريق ارتداء ملابس الآخرين والتصرف مثلهم يمكنهم تعلم فهم الآخرين.
وهناك عدة مؤشرات لوجود مشكلة التمركز حول الذات "الأنانية" فالاهتمام الزائد بمشاعر الطفل يمكن أن يؤدي إلى تفاعل غير منتج مع العالم، وهذا الوضع يشبه وضع الأطفال المدللين الذين يحصلون على ما يريدون دون أن يبذلوا أي مجهود حقيقي وغالبا ما يعبر الشخص الأناني عن مفهوم ذات سالب، كما أن فكرته عن الآخرين تكون سلبية. وكذلك لا يمتلك الأطفال الأنانيون ما يكفي من القيم الأخلاقية. ويكون لديهم ضعف الانتماء للجماعة وهو مؤشر آخر، فالأطفال المتمركزون حول الذات غالباً ما يجدون صعوبة في الانتماء للجماعة، فهم لا يستطيعون أن يشاركوا بعمل الأشياء على نحو معين، بل يفضلون عمل الأشياء على طريقتهم الخاصة وبالشكل الذي يريدونه.
الأسباب التي تزيد من شعور الطفل بالأنانية:
1. التعرض للحماية الزائدة من الأهل
وغالباً هؤلاء الأطفال يكونون معرضين للحماية الزائدة والمحبة الشديدة، ولا يمارسون إلا القليل من النشاطات الناضجة التي تقود إلى تحمل المسؤولية، فنجد الآباء يدللون أطفالهم من خلال الحماية الزائدة لهم وتلبية جميع رغباتهم، فيبادرون في إزالة كل ما يزعج الطفل، كما أنهم يحاولون حمايته من كل ما يمكن أن يسبب الإزعاج له، وغالباً ما يكون الشعور بالذنب هو ما يدفع الآباء لإشباع جميع حاجات الطفل.
وأحياناً يقوم الآباء بتعليم أطفالهم الأنانية بسلوكهم الوسواس. فهم يحاولون حماية أطفالهم من أي شكل من أشكال الإحباط، وإذا ما بدا لهم أي شخص على أنه غير منصف في حق أطفالهم ثار سخطهم وحنقهم، وسارعوا إلى تأييد وجهة نظر أطفالهم بأن الآخرين يحاولون استغلالهم، وكثيراً ما يلقنون أطفالهم محاضرات حول ضرورة الدفاع عن حقوقهم وعدم السماح للآخرين بتخطيها، وهؤلاء الأطفال يصبحون كما علمهم آباؤهم أن يكونوا أشخاصا أنانيين لا يهتمون بإنصاف الأخرين.
2. التعرض للهجر (الجسدي أو النفسي)
وهناك نمط آخر من الأطفال الذين يحملون صفات أنانية وهم الذين تعرضوا للهجر (الجسدي أو النفسي) أو الرفض ولديهم شعور بالخوف والغضب، وقد يصبح هؤلاء الأطفال أنانيين، ويهتمون بسلامتهم الشخصية وسعادتهم بغض النظر عن مشاعر الآخرين واهتماماتهم، وكذلك فإن الأطفال الذين عانوا مراراً من الشعور بأنهم أوذوا من قبل الآخرين يتطور لديهم خوفاً من الاقتراب من هؤلاء الآخرين أو التعلق بهم، فمن خلال عدم تعريض أنفسهم للتورط بالاقتراب أو الاهتمام بالآخرين يمكنهم تجنب المعاناة مجدداً، والنتيجة النهائية هي طفل يبدو أنانياً متمركزاً حول ذاته.
3. عدم النضج
ولكي يتخلى الطفل عن أنانيته يحتاج إلى مستوى من النضج، فمثلاً يجب أن يتعلم كيفية ضبط نزعاته لكي تكون لديه القدرة على الالتزام باتفاقياته، فالأطفال الذين لا يحتملون الإحباط، والذين يشعرون بأنه يجب أن يحصلوا على ما يريدون في الوقت الذي يريدون، لا يستطيعون المحافظة على وعودهم، ولا يشعرون بغضاضة في عدم التزامهم بموعد ما؛ لأنه حدث أن كان لديهم شيء آخر يفعلونه، لذلك يظهرون كأنانيين ويفعلون ما يرضيهم بغض النظر عن المناقشات التي جرت أو الاتفاقيات التي عقدت. يكونون غير قادرين على تحمل المسؤولية وبالطريقة نفسها لا يطور الأطفال غير الناضجين أسلوب المحاكمة العقلية الضروري كي يكونوا حساسين تجاه الآخرين ويتصرفوا تبعا لذلك، فالطفل الذي لا تكون لديه المحاكمة العقلية المناسبة لن يطور اهتماماً بالأخرين.
طرق تساعد الطفل أن يصبح أقل أنانية:
1. اجعل لدى الطفل شعوراً بتقبل الذات
إن أفضل طريقة مباشرة لمنع الأنانية عند الطفل هي مساعدته لكي يشعر بالجدارة والكفاءة والاطمئنان، فالأطفال الذين يتقبلون أنفسهم على أنهم أشخاص لهم قيمة بذاتهم ولديهم الكفاءة، ويشعرون بالأمن يهتمون بمصلحة الآخرين بشكل طبيعي ولا يستحوذ عليهم الشك بأنفسهم، وبالتالي فلا حاجة لهم لتطوير اتجاه في الحياة متمركز حول الذات، وبما أن مفهوم الإنسان عن نفسه مستمد من سلوك الأشخاص الهامين في حياته فلا يوجد أفضل من أن يبدي الوالدان تقبلاً ثابتاً واضحاً للطفل، فالأطفال الذين يشعرون بالحب والتقبل يحملون شعوراً إيجابيا نحو الذات، مع تفهم للآخرين.
وذلك على أن يُقدم هذا الحب من قبل الوالدين عن طريق التقدير الإيجابي للطفل غير المشروط والاعتزاز والاهتمام الغير مشروط بمعنى تقدير خصائص الطفل الفردية وصفاته المتميزة، ومن ناحية عملية يمكن للأبوين إظهار ذلك من خلال تشجيع الطفل على التفرد والاستقلال النفسي كشخص يتمتع بالأهلية، أما الاهتمام فيعني الاهتمام بأفكار الطفل ومشاعره ونشاطاته والاهتمام به بشكل عام، أن إظهار الحب للطفل بصورة محسوسة من قبل الأبوين يعبر عن الاهتمام بطريقة غير لفظية مثل (الحضن، والضم، والتقبيل)، حتى مجرد المصافحة الودية أو وضع الذراع حول كتفي الطفل يمكن أن تكون طريقة فعالة في إبراز الاهتمام به.
ويمكن الوقاية من الأنانية من خلال حب الأطفال وتقبلهم وتجنب النقد والامتناع عن المنافسة الشديدة والعلاقات الأسرية المتوترة.
2. علم الطفل الاهتمام بالآخرين وكن قدوة له
إن إظهار الاهتمام الحقيقي بأطفالك وبالآخرين هو نموذج جيد لسلوك الغيرية، كذلك فإن إحساسك بالمسؤولية عن سعادة الآخرين، وبذل الوقت والجهد والمال في سبيلهم هو تعبير واضح عن سلوك الغيرية.
وبالطريقة نفسها يمكن إظهار الاهتمام بالآخرين عن طريق إظهار الإحساس بالأسى قولاً وفعلاً لمعاناتهم؛ مما يعلم الأطفال مشاعر الاهتمام بالآخرين، أما الحديث عن الأشياء أو الاهتمامات بطريقة فيها تمركز حول الذات فلا تنمي هذا الاهتمام، وتبعا لهذا المنطق، فإن السعادة المتحققة على حساب الآخرين لا تعبر عن الاهتمام.
التعاطف هو أن تفهم الآخرين من وجهة نظرهم الخاصة، فحاول أن ترى الأمور من وجهة نظر طفلك واعمل على إيصال فهمك له لأن ذلك عنصر أساسي؛ يمكنك أن تقول للطفل المتضايق «لا بد أنك تشعر بالاستياء الشديد لعدم دعوتك إلى تلك الحفلة»، فهذا القول ينقل للطفل فهمك لمشاعره. أما المناقشة والاقتراحات المفيدة فيمكن أن تتم فيما بعد
ويمكن التحدث على مائدة العشاء عن مشاعر الناس فتعتبر أداة تثقيف جيدة، حيث يمكنك إظهار صفات التعاطف والاهتمام في حديثك عن أهمية مشاعر الآخرين.
3. حمل الطفل بعض المسؤوليات
إن المسؤولية تجاه الآخرين هي طريقة طبيعية كي يجرب الفرد ويتعلم الاهتمام بالآخرين، فالشخص الذي تلقى المساعدة يعبر عادة عن امتنانه، مما يعطي الشخص الذي ساعده شعورا بالارتياح والرضا عن عمله. وإعطاء الطفل مسؤولية العناية بحيوان أليف تعتبر تجربة ممتازة منذ الطفولة الباكرة فما فوق، على أن يتناسب مستوى المسؤولية مع قدرات الطفل، أما مساعدة الأطفال الصغار فهي مهمة طبيعية للأطفال الأكبر عمراً، إلا أن من غير المناسب إغراق الطفل بالمسؤوليات. أن تكليف الأطفال الصغار بمهات مفيدة ومحددة يمكن أن يكون مصدرا ممتازا للرضا والإشباع الذي يتم الحصول عليه من خلال مساعدة الآخرين.
هذا ويعتبر إنجاز الأعمال اليومية مجالاً آخر لتحمل المسؤولية، حيث يتعلم الأطفال بأنهم مسؤولون عن إنجاز مهمات ضرورية لسعادة الجماعة وقادرون على ذلك، مثل الترتيب وإخراج القمامة أو شراء متطلبات من السوبرماركت وما شابه، ويجب أيضا تشجيع الأطفال بصفة متواصلة على المشاركة في مناقشة واتخاذ القرار فيما يتعلق بتوزيع المسؤوليات على أفراد الأسرة.
4. علم الطفل التعاطف من خلال لعب الأدوار
إن أسلوب تمثيل الدور هو من أكثر الأساليب استخدام من قبل الأخصائيين لخفض الأنانية عند الأشخاص من مختلف الأعمار، ويعني هذا الأسلوب لعب دور شخص آخر كأن تتحدث كما لو كنت ذلك الشخص، ويمكن أن تتناول تلك المواضيع أحداث الأسرة الحقيقية أو الخيالية. ويمكن للأطفال تقديم عرض للدمى لأفراد أسرتهم أو لأصدقائهم، وقد يكون من الأفضل أن يقوم أحد الراشدين بتمثيل دور الدمية، ثم يلي ذلك تبادل الأدوار. وهذا النوع من عكس الأدوار يمكن الأطفال من مشاهدة دور آخر أمامه ونجعله يتحسس مشاعره، ومن ثم قيامهم هم أنفسهم بتمثيل ذلك الدور، فعلى سبيل المثال يمكن أن يقوم أحد الراشدين بتمثيل دور طفل أناني لا يفكر إلا بنفسه، ويريد كل شيء لنفسه بشكل مبالغ فيه، ثم يقوم الطفل أيضاً بتمثيل الدور نفسه، وبالتالي يتم التركيز على موضوع الأنانية. إن تمثيل السلوك يمكن أن يؤدي إلى وضع ذلك السلوك تحت السيطرة الإرادية، ومن أفضل الطرق تأثيرا في الأطفال هو النموذج الذي يمكن أن تقدمه من خلال قيامك بدور الشخص الذي يهتم بالآخرين الصادق وغير الأناني. وهناك فرصة ممتازة للراشدين والأطفال في أن يمثلوا الأدوار المختلفة، وأن يجربوا فعلا المشاعر الإيجابية المتضمنة في قيامهم بأدوار مختلفة. والتعبير عن الذات من خلال دور شخص آخر يعتبر طريقة مباشرة لخفض الانشغال التام بالنفس..
. وهناك أسلوب جديد هو أن تسجل الأصوات على شريط؛ ومن ثم تقوم بإسماع الطفل، وقد يندهش الأطفال أو الراشدون لسماعهم بحديث يعبر عن الأنانية أو الشكوى والتذمر أو القسوة في أصواتهم، وبعد ذلك يمكن استخدام أسلوب تمثيل الدور للتصرف بطريقة فيها تحمل للآخرين وتعاطف معهم،
ومن تنويعات لعب الأدوار التي تلائم بشكل خاص الأطفال الصغار هو أسلوب سرد القصة المتبادل
فبإمكان الأبوين تبني هذه الطريقة والمستخدمة من قبل العديد من المعالجين النفسيين. وهي تقوم على أساس أن يسرد الطفل قصة؛ ومن ثم يقوم الأب بسرد قصة مشابهة تظهر فيها بشكل واضح سلوكاً مناسبا يعبر عن الاهتمام وعدم الأنانية، استخدم الشخصيات التي استخدمها الطفل، ولكن اجعل قصتك تظهر الاهتمام بالآخرين وتظهر حلولا أفضل للمشكلات، ثم أطلب من طفلك أن يحكي قصة ذات مغزى، وبعد أن يحكي الطفل قصته، قم أنت بسرد قصتك الماثلة. وقد يكون من الممتع لك أن تؤلف قصة أولا، ثم تطلب من طفلك أن يحكي قصة مشابهة.
وعليك استخدام التشجيع والثناء لتنمية هذا الشعور عند الأطفال. إن أي شكل من أشكال الاهتمام يجب أن يتم تعزيزه إيجابيا بطريقة ما، يجب أن تشرك الأطفال في مشاريع تتطلب منهم التعاون ومساعدة الآخرين، ومن الأمثلة الشائعة جمع تبرعات (نقود) للمؤسسات الخيرية، وتعليم الأطفال الأقل قدرة، والقراءة لشخص كفيف، والقيام بعمل تطوعي في أحد المستشفيات ، أن الخبرات الجماعية ذات قيمة لا تقدر بثمن لتعليم الأطفال مساعدة الآخرين.