الأطفال ما قبل المدرسة 4-5 سنة
لا ينبغي للمرور ببيت الجد أن يكون عابرًا
يعتقد الآباء والأمهات أن مكوث أبنائهم في بيت الجد والجدة قد يقوّض القوانين التي يربون أبناءهم عليها، ويصبح أطفالهم أكثر جرأة على التمرد عليها ومخالفتها، ولدينا في هذا المجال نكات كثيرة نتبادلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بأن الحصانة التي يقدّمها الجد والجدة لأحفادهم تعد أشد الحصانات في العالم وأقواها، وربما نتفهم رغبة الوالدين بعدم نيل الأطفال معاملة تفضيلية في بيت الجد والجدة الأمر الذي يضطرهما إلى أن تصبح الزيارات محدودة وقصيرة، إلا إذا انصاع الجد والجدة لقوانين الآباء والأمهات، وعاملوا الأطفال بالطريقة نفسها.
الأطفال لا يخفون سعادتهم في بيت الجد والجدة.
تتم هذه الزيارات -الطويلة غالبًا- في عطلة الشتاء بين الفصلين، أو في العطلة الصيفية بعد انتهاء العام الدراسي، وإذ تعبر الأمهات -غالبًا- من انفلات الأبناء، وتمردهم على القوانين البيتية، وصعوبة إعادتهم إلى الوضع السابق للزيارة فإن لهذه الزيارات كثيرًا من الفوائد التي إذا ما قورنت برغبة الأم ببقاء الأبناء تحت سيطرتها فإنها ستبدو أكثر إلحاحًا، وأكبر فائدة فيما لو اكتسبها الأبناء، واستثمرتها الأم بطريقة فاعلة.
في بيت الجد لا يقل الاهتمام عن بيت الأب والأم، فغالبًا يجد الأحفاد درجة مقاربة من الاهتمام من الجد والجدة، ويسعدهما تلبية طلبات الأحفاد، وربما يمتد الأمر لأن تسرّح الجدة شعر حفيداتها، بينما يصطحب الجد أحفاده إلى الحديقة للاعتناء بالأشجار، أو تبادل الكرة، والتنافس فيمن يرميها إلى أعلى ارتفاع، وسيصبح الأمر أكثر جمالًا عندما يطلّع الأحفاد على المقتنيات القديمة للجد والجدة، ويفتحون الألبومات القديمة والخزائن التي نادرًا ما تُفتح، ولن ينزعج الجد والجدة من تعليقات الأحفاد على صورهم أيام الشباب.
في بيت الجد لا تُرفض رغبتنا في طلب طبق الطعام المفضل لدينا، وستكون التجربة مثيرة عندما تسمح لنا الجدة بالاشتراك في إعداده، دون أن تغضب؛ لأننا سكبنا الزيت أو الطحين على الأرض، أو استخدمنا كثيرًا من الأدوات والصحون، وتركنا المطبخ في فوضى كبيرة، وستطلق جدتنا ابتسامة ماكرة عندما ندّعي أمام جميع الحاضرين أن الطعام من إعدادنا، وأن الجدة ساعدتنا في مناولة الأغراض فقط، بينما سيعترف جدنا أننا أمهر منه في المراوغة بالكرة وتسجيل الأهداف، رغم أنه رماها أعلى منا في الهواء، ونجحنا في نقل أغصان الأشجار دون أن نترك وراءنا منها يعيق السير في الطريق.
في الليل يستمع الأحفاد لحكايات مثيرة رغم أنها قديمة، ولن يتردد الجد والجد في إطلاق الضحكات عالية عندما ينتقل الأحفاد إلى إطلاق النكات المستهلكة، وسيجيبون بالتفصيل عن أسئلة الأحفاد التي لا تتوقف عادة.
مساحة الحرية في بيت الجد أوسع منها في بيتنا.
الفوائد النفسية والاجتماعية والمهارية لمكوث الأحفاد في بيت الجد كبيرة، تمتد لتشمل الوالدين اللذين ستكون درجة اطمئنانهما أعلى بأن أولادهم في أيدٍ أمينة، وسيمضون وقتًا من التسلية الحقيقية التي تؤمن أن قضاء وقت الفراغ أمام شاشة الهاتف الذكي أو الأجهزة اللوحية ينبغي أن يتوقف أو يقل، ولن يكون النوم الطويل كذلك أحد أساليب التخلص من الإزعاج أو كثرة الحركة.
مهارات التواصل والتحدث والحوار ستجد تنمية حقيقية عندما يتفاعل الأطفال مع أبناء الأعمام والأخوال في سياق اجتماعي تفاعلي، وحتى لو كان الشجار أبرز ما يدور بينهم إلا أنه الشجار الذي ينتهي بسرعة، وينتقل الأحفاد بعده للعب المشترك، والبحث عن مزيد من الإثارة والمتعة التي تؤدي إلى بناء محيط اجتماعي يُسهم بإيجابية في تنشئة الطفل، وينمّي في نفسه ضرورة التشاركية مع الآخرين لسير الأمور بأفضل حال، والاعتماد على الذات للتخلص من الخلافات والتحديات، وتقوية أواصر العلاقات مع الأقارب فضلًا عن التعرض لمواقف كثيرة متنوعة تكسبه خبرات حياتية ضرورية.
هذه المهارات تنمو في سياق واقعي لا تصنّع فيه، ويمارسها الأبناء والأطفال كما ينبغي بعيدًا عن الأطر النظرية المصطنعة، لذلك فإنها فرصة ثمينة كي يكتشف الآباء والأمهات جوانب القصور في شخصيات أبنائهم، فقد يكون ابنهم فرديًا محبًا للسيطرة على كل شيء، وتملك كل شيء، ويرفض إشراك الآخرين في اللعب، أو تبادل الألعاب، أو قد يكون يحب الصراخ ولا يجيد التفاوض والتحاور، وغيرها كثير من الأشياء التي لا نرغب ظهورها في سلوكات أبنائنا.
في هذه الأجواء الإيجابية يقع على الأهل دور أساسي وهو عدم المقارنة بين أبنائهم وبقية الأحفاد، أو التدخل لحل الخلافات التي تحصل بينهم، وأن يعرّفوا أبناءهم أن معاملة الآخرين تختلف بسبب درجة القرب من الطفل، وأن هذا الوقت سينتهي لكن بأفضل صورة وأكبر مكسب إيجابي، لذلك لا بأس من حوار بين الأب وأبنائه يوضح لهم أن لكل مكان قوانينه، ولكل طرف طريقته المختلفة في التعامل مع الناس، وحدوده التي لا يجب أن يتجاوزها.