قصص أمهات
حصلت على الماجستير وأنجبت ابني في سنة واحدة!
بقلم: رهام غانم، أم لطفلين - من فريق متطوعات أمهات ٣٦٠
كنت أتمنى لكن لم أكن لأعلم أنني سأصل لهذه المرحلة، حتى أنني صدمت بقدرتي على هذا التحمل... عندما كنت في المرحلة الإعدادية كانت قدوتي معلمتي منال وصديقتي شروق... فمثابرتهما وإصرارهما أعطياني الدافع لأن أستمر بالحلم. كذلك دفع أمي لي للسير قُدماً ووجود شقيقاتي كان أملاً أكبر لأستمر. كنت دائما أحلم بمستقبل واعد... لكن لم تكن خطواتي قد بدأت في مرحلتي الجامعية بالنسبة لي.
بدأت ملامح خطواتي بالظهور حين بدأت بدراسة الماجستير بتخصص النطق واللغة، في الجامعة الأردنية كانت الصعوبة تكمن في التوفيق بين ساعات العمل وساعات الدراسة المسائية؛ كنت أعمل مساعد بحث وتدريس في نفس الجامعة، فأبدأ يومي من الساعة السادسة صباحاً بين العمل وإكمال ساعات التدريب (٣٠٠ ساعة) المتطلبة مني حيث كان من المفترض أن أنهيها في عيادة النطق واللغة خلال سنتين. بعد الانتهاء من ساعات العمل والتدريب، أنتقل لقاعة المحاضرة من الساعة الخامسة مساءً حتى الساعة الثامنة ليلاً!
استمر هذا الحال لسنة ونصف؛ عمل، تدريب ودراسة، كانت أيام شاقة من وجهة نظري لكن لم أكن لأعلم أنها أسهل من القادم. كنت مهتمة بدراستي فحصلت على منحة من الجامعة لتفوقي الأكاديمي والحمد لله على ذلك، كنت فخورة جداً بنفسي وبأدائي.
في منتصف فترة دراستي للماجستير تقدم زوجي لخطبتي، حاولت التملص من الموضوع ومماطلته، لكن القدر كان أقوى منّي. تزوجت ومازال لدي إنهاء فصلين دراسيين. كنت أشجع نفسي بأنني قطعت الكثير وبقي القليل.
حين أنظر اليوم لنفسي كيف أنني أنهيت هذا الشوط الطويل والشاق، أكون فخورة بنفسي فزواجي ومسؤولياته والعمل والتدريب والمحاضرات كل هذا كان عليّ أن أوفّق بينه، كيف ومتى؟؟ لا أعلم... كانت رحلة أصعب من البحث عن مخرج للنجاة من كهف مظلم لا تعلم نهايتك فيه كيف ستكون... في كل مرة كنت أسقط فيها وأنهار من شدة الضغط والتعب أجد يد أمي الحانية وشقيقاتي المساندة وزوجي الداعم...
مرت الأيام بين مد وجزر... أحاول التوفيق بين دراستي وزوجي ومسؤولياتي الاجتماعية المطلوبة مني، كنت أحاول المشي كطفل في بداية مشيته... أسقط وأحاول...
كانت أصعب سقطة لي حين علمت أني حامل... (في تلك الفترة اعتبرتها كارثة لكن حين جلست مع نفسي علمت أن الحمل كان نعمة من ربي)، لم أصدق الخبر فأنا بالكاد قادرة على المشي في هذا الطريق...
جلست بيني وبين نفسي جلسة مصارحة... دعمتها لتلك النفس لأنها تحتاج من يقويها على السير... كان تحدياً عظيماً... إما النجاح أو الفشل... أكملت أيامي بين تعب الحمل وساعات الدوام التي تبدأ من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً... كان طبيعة عمل زوجي كطبيب تتطلب منه الغياب لساعات طويلة... كنت أواسي نفسي بأن ذلك أفضل حتى أجد الوقت لأدرس... مرت الأيام وأنهيت ما عليّ من متطلبات تدريب عملي وساعات دراسية... تنفست الصعداء...
بقيت خطوة واحدة لأصل للقمة وهي اجتياز امتحان الشامل للماجستير فتخصصي لا خيارات فيه بين الرسالة والامتحان الشامل، فقط الشامل هو الخيار الموجود...
كنت في شهري الثامن وبيني وبين الامتحان ستة أيام... شعرت بالتعب كثيراً فأوصلني زوجي لبيت أهلي حتى أركز أكثر بدراستي. مر اليوم الأول بسلام، وبدأ اليوم الثاني بأعراض ولادة مبكرة.... نعم أنجبت ابني ليث قبل موعد الامتحان بخمسة أيام...
كيف سأذهب للامتحان وماذا سيحدث؟ لا أعلم! مرت الأيام بصعوبة بالغة ما بين إرهاق وتعب وسهر ودراسة... الحمد لله على وجود أمي وشقيقاتي وزوجي في حياتي... كان الليل مقسم بينهم للتناوب على السهر لرعاية ليث لأرتاح حتى يوم الامتحان... ذهبت للامتحان كانت مدته 4 ساعات متواصلة... لا أعلم كيف أنهيتها وكيف اجتزت الامتحان والحمد لله أنهيت الماجستير بنجاح وبفخر....
فخورة بقدرتي الخارقة، واجتزت بعدها بشهر امتحان مزاولة المهنة من وزارة الصحة... بعدها التحقت بالعمل في الجامعة الأردنية مباشرة فور حصولي على الشهادة... أفخر بنفسي وأحمد ربي على ما منحني إياه من عظيم فضله... عملت بالجامعة قرابة العشر سنوات بين مساعد بحث وتدريس وأخصائية نطق ولغة... اليوم لدي عملي الخاص... افتتحت مركزاً لعلاج النطق واللغة والبلع... أحمده على عظيم ما وهبه لي من قدرة تحمل وما وهبه لي من نعم كثيرة... الحمد لله...
كل من يعرفني يردد على مسمعي أنت شخص خارق... أنت شخص ملهم للجميع كنت قادرة على تجاوز كل هذه الصعوبات... أكرمني ربي بأهل رائعين مساندين... وبزوج لديه إيمان كبير بي... وبطفلين رائعين ملهمين لي ... ليث ٨ سنوات وريان ٤ سنوات... طفلاي كان لهما النصيب الأكبر في الاهتمام الذي حظيا به مني... كنت لأشعر دوماً بضرورة تعويضي لهم ساعات غيابي الطويلة عنهم... أبدعت معهم وأعطيتهم من قدراتي وطاقاتي وإبداعاتي اللامحدودة... فكانوا مثالًا يحتذى به في التفوق والقدرات الإبداعية...
أحببت مشاركة قصتي... لأخبر كل الأمهات لا تقولي صعب، ظروفي صعبة أو أطفالي مشاغبين... بيدك أنت وليس بيد غيرك تستطيعين تغيير نفسك وإطلاق قدراتك... لا تجعلي المحبطات المحيطة بك تلغي حلمك ... احلمي وثابري وحققي أحلامك...
حاليا بدأت بكتابة قصص للأطفال، قصص توعوية هادفة مستوحاة من أطفالي ومن الأطفال اللذين أتابعهم...
أحلامي مازالت مستمرة... وأيامي مازالت مستمرة...