قصص أمهات
وهبني الله رويد، ورويداً رويداً فهمه العالم!
قصة ريما، أم لثلاثة أطفال
الحياة دار ابتلاء، لكن سرعان ما يدرك المبتلى أن ما أحزنه هو أثمن هدايا الله له، ورويد كان هديتي! معه عشت حلاوة الأمومة وما فيها من معاني الحب والاحتواء والعطاء...
عندما علمت بأن طفلي سيولد وهو يعاني من بتر خلقي في أطرافه الأربعة، كنت حاملاً في الشهر السادس. رفضت حينها الإجهاض، وقبلت بهدية الله لي. وعندما ولدته، كنت أحمله واحتضنه وأقبله بلهفة وسط نظرات استغرابٍ واستهجانٍ من الآخرين، لكنني لم أر فيه أي اختلاف عن غيره من الأطفال، فلم تبصر عيني سوى طفل بريء جميل، شعرت بقلبي ينبض له حباً وشوقاً.
ربما كان البعض يظن أن مشاعري تجاه رويد وتقبلي له وأنا حامل به سرعان ما سيتغير بمجرد أن أراه، لكن ما حدث كان العكس تماماً، جعلتني رؤيته أكثر إصراراًً وعزيمة على المضي في هذا الطريق وكلي رضا وتقبلاً لما قسمه الله لي وله.
وقد بدأت مع رويد منذ أن بلغ عامه الأول رحلة التأهيل من خلال العلاج الوظيفي والطبيعي، وقد قمنا بتركيب أطراف صناعية سفلية لطفلي، وتركيب عين زجاجية، إلا أن مشكلة الأطراف العلوية لازالت قائمة، إلا أنها ليس عقبة في طريقه، وكان لانتمائي مع الجمعيات الخيرية وحضور العديد من الأنشطة والفعاليات دوراً كبيراُ في تصالح طفلي مع ذاته وتقبله لنفسه، كما أنها زادت من حبه لنفسه، وفي كل مرة كان يفاجئني بقدرته على اكتشاف واختراع حلول لنفسه لمواجهة أي صعوبة تواجهه، وهذا ما جعلني متأكدة أنني أمام طفل ذكي ومميز.
ولكن الرحلة لم تتوقف هنا والصعوبات بدأت تنهال علينا من كل جانب، وكان أصعبها حين قررنا تسجيل رويد في المدرسة، حيث رفضته الكثير من المدارس، وفي كل مرة كانت الأعذار مختلفة، وعندما قبلت به مدرسة، كانت الصدمة، وبعد أسبوع من الدوام، حيث كان يوم دوام عادي، وبعد أن ركب طفلي الباص للتوجه للمدرسة، قاموا بطلب إنزاله من الباص، حيث تعذرت المدرسة بأن طفلي يثير الرعب في قلوب الأطفال الآخرين، وقد اتصلوا ليعتذروا مني رفض طفلي لسبب لا ذنب له به، مما فطر قلبي على صغيري، وعلى الرغم من محاولاتي مع المدرسة ومدارس أخرى، إلا أن المشكلة لا زالت قائمة، ولكن عزيمتي لم تتأثر، ومحاولةً مني لنشر الوعي حول قضية طفلي، قمت بنشر ما حصل في المدرسة، وقد وجدت الكثير من التضامن والتعاطف مع حالة طفلي، وتم نشر مناشدة لطفلي، حتى تواصلت معي احدى المدارس لتقدم لرويد منحة مدرسية كاملة، واليوم، أثبت رويد تفوقه الدراسي بحصوله على معدل 98,2% وتكريمه من قبل إدارة المدرسة، وانتظاره لتكريم آخر في حفظ سور من القرآن الكريم.
وعلى الرغم من أنني كنت أقضي أكثر من 15 ساعة له وحده بين جلسات ومراجعات وروتين يومي، إلا أنني كنت سعيدةً به، وقد جعلت هذه المرحلة أشبه بتخصص جامعي، فشعرت وكأنني أتعلم كل يوم أكثر عن ذوي الاحتياجات الخاصة وكيفية التعامل معهم، حتى إنني بدأت أبدا بالبحث والقراءة كطالبة مجتهدة، والتزمت بحضور مختلف الفعاليات والورشات التي تخصهم بحب واجتهاد، ولكنني لم أكن أنتظر علامات نهائية ولا تفوق، بل كانت نظرة طفلي وابتسامته هي ما تدفعني للاستمرار.....
لم أبحث عن الدعم والمساندة من الآخرين، بل جعلته يسطع من داخلي، وكنت أمد نفسي بالقوة كل يوم، وقد يكون لوجود الأهل التأثير الكبير علي وعلى نفسيتي، حيث كانوا يتعاملون مع رويد كغيره من الأطفال دون التركيز على الاختلاف، وما زلت أشحذ نفسي كل يوم بهمة للاستمرار وأمامي صورتي أنا وطفلي رويد على مسرح الجامعة احتفل بتخرجه منها.
ورسالتي لكل الأهالي الذين وهبهم الله طفلاً من الأطفال الأبطال أن يشكر الله على هذه الهدية، ومن منا لا يحب الهدايا فكيف عندما تكون قلباً نقياً وحباً لا محدوداً، هدية مميزة من رب العالمين، وعندما نراها هكذا، ستشعرون بقيمة هذه الهدية، وسوف تفعلون المستحيل حتى تحافظوا عليها، وتحاربوا العالم من أجلها.
لكل أم لديها طفل بطل، أنتِ أم مميزة، جبارة، لستِ كباقي النساء، سواء على المستوى الجسدي أو النفسي.
ورسالتي للعالم والمحيطين بالأطفال الأبطال، أن الأهالي بحاجة للتقدير خاصة الأمهات، فالكلمة الطيبة تكفي ونظرات الحب والتقدير، وليس نظرات الشفقة والاستهجان لنبني وطناً ومجتمعاً سليماً.