قصص أمهات
مذكرات أم عاملة: كيف غيَّرت طريقة تربيتي لأبنائي
الحلقة الثالثة
دعيت في أحد الأيام إلى الانضمام إلى فريق المتحدثين في إحدى منتديات القيادة النسائية. وكالعادة، كانت القاعة مليئة بالسيدات اللواتي يبحثن عن إيجاد التوازن بين العمل والحياة، كيفية التعامل مع الشعور بالذنب، وأثر الحمل على التطور الوظيفي، وغيرها من المواضيع المعتادة.
لسبب أجهله، بقي هذا السؤال عالقاً في ذهني، وبقي يلاحقني لفترة من الوقت. مع احترامي لزميلتي التي أبدت وجهة نظرها في ذلك الحين, لكنني لم أكن مقتنعة تماما بالإجابة التي أعطيت.
لم يسعني الا أن ألاحظ وجود اختلاف في هذه المرة، حيث حضر عدد لا بأس به من الزملاء الرجال والذين كانوا يستمعون ويتابعون بانتباه. للمرة الأولى على الإطلاق قام أحدهم بتوجيه سؤال للجنة: “أود أن أشكر المتحدثات على مشاركة خبراتهم، فهي مصدر إلهام للجميع - بكل تأكيد. أما سؤالي فهو: أنا لدي ابنة، وأود أن أعرف كيفية تربيتها لكي تكبر وتصبح امرأة قيادية.”
قامت إحدى زميلاتي بالإجابة على هذا السؤال، ومن ثم انتهت الجلسة.
لسبب أجهله، بقي هذا السؤال عالقاً في ذهني، وبقي يلاحقني لفترة من الوقت. مع احترامي لزميلتي التي أبدت وجهة نظرها في ذلك الحين, لكنني لم أكن مقتنعة تماما بالإجابة التي أعطيت.
في اعتقادي الشخصي، إن أغلب الأهالي يقومون بتربية بناتهم بطريقة تبني تقديرهم لذواتهن وتنمي ثقتهن بأنفسهن. الفتيات كالصبيان يحصلن على التعليم والتشجيع خلال مراحل الطفولة، وفي بعض الأحيان، قد تحصل الفتيات عل كم أكبر من التشجيع!
وعليه، يمتلك الأولاد والبنات فرص متساوية لتحقيق آمالهم، ومع ذلك فإن غالبية المناصب القيادية مازالت حكراً على الذكور دون الإناث. لماذا؟
أتعبت نفسي بهذا السؤال لفترة، ولكن مع الوقت نسيت الموضوع كله، أو هكذا كنت أعتقد..
يمارس ابني البكر ذو السنوات السبعة رياضة الفنون القتالية، وهو يشارك في المباريات من فترة إلى أخرى. وكأي أم فخورة، أذهب للمشاهدة والتشجيع. في هذا العمر المبكر يلعب الأولاد والبنات ضد بعضهم البعض، فلا يوجد فرق في القوة البدنية في هذا العمر المبكر.
كانت تلك المرة الأولى التي أحضر فيها مباراة يلعب فيها ضد فتاة، ولاحظت بأنه يلعب بطريقة مختلفة؛ كان متهاوناً في اللعب وأقل خشونة، ولم يلعب بمستواه الاعتيادي.
في طريقنا إلى المنزل، سألته إذا كان كل شيء على ما يرام. أردت أن أعرف السبب وراء الأداء المختلف. أجابني بكل ثقة : “ ألا تعلمين السبب!؟؟ لأنها بنت، ولا يجوز ضرب البنات!”
في هذه اللحظة تذكرت المنتدى، وتذكرت الرجل الذي سأل السؤال. وعندها فقط أدركت بأنني أعرف الإجابة!
القيادة ليست مرتبطة دائماً بالطريقة التي نربي بها بناتنا، بل هي مربتطة إلى حد كبير أيضاً بالطريقة التي نربي بها أولادنا!”
إن مشهد المباراة بين ذوي السنوات السبعة يتكرر في كل منحى من مناحي الحياة. إنه يأخذ أشكالاً مختلفة، ولكنه نفس المشهد:
قد لا تحصل امرأة على الترقية لأن مديرها يعتقد أنها غير قادرة على التعامل مع الضغط. قد لا تحصل على مشروع معين لأنها حامل وستكون على الأغلب متعبة طوال الوقت. قد لا تحصل على مهمات قيادية بسبب الاعتقاد بأنها “رقيقة”، قد لا تحصل على حصتها العادلة من التدريب لأنه من المتوقع أن تترك العمل بعد الطفل الأول، وبالتالي فإن الاستثمار في قدراتها مضيعة للوقت والموارد، وغيرها العديد العديد من الأمثلة عن التجاوز عن المرأة وإغفال وجودها فقط لأن أحدهم يعتقد بأنها لا تستطيع القيام بما هو مطلوب على أكمل وجه.
القيادة ليست مرتبطة دائماً بالطريقة التي نربي بها بناتنا، بل هي مربتطة إلى حد كبير أيضاً بالطريقة التي نربي بها أولادنا!”
وهكذا قمت بإخبار ابني الآتي:
“ إذا اختارت الفتاة أن تكون مقاتلة، فعليك أن تحترم رغبتها وأن تقوم بمنازلتها. لا تحاول جعل الأمور سهلة عليها، فذلك يهين ذكائها! في هذه المبارزة، يجب أن تنظر إليها كند لك. فاحذر يا بني، لأنها قد تسبب لك الأذى!"
أرجوكم لا تسيئوا فهمي! أنا أريد أن أربي ابني ليصبح رجلاً، والرجال لا يضربون النساء، ولكن هذا موقف مختلف اختارت فيه الفتاة أن تمارس رياضة الفنون القتالية، وهذه الرغبة جديرة بالاحترام والتقدير.
إن الولد الذي يتربى على تقدير قرار البنت سيكبر ليصبح رجلاً يتفهم رغبات المرأة وطموحاتها؛ وهذا سيخلق ثقافة من الاحترام. وفي بعض الأحيان، سينظر إليها على أنها خصمه؛ وهذا سيخلق ثقافة من المنافسة الصحية.
عزيزتي أم الأولاد، لدينا فرصة لكي نشكّل مستقبل العديد من الفتيات الصغيرات. إن الأمر يبدأ معنا، وفي بيوتنا، وفي كل محادثاتنا مع أولادنا، الصغيرة منها والكبيرة.
هل يقوم ابنك بأخذ صحنه إلى المجلى بعد إنهائه لطعامه؟ هل يقوم بطي ملابسه أو وضعها في سلة الغسيل؟ هل يرتب من ورائه بعد أن يحدث كركبة في البيت؟ هل يسألك كيف تشعرين بعد يوم طويل ومتعب؟ هل يعرض المساعدة في البيت من دون أن يطلب أحد منه ذلك؟ أحسنت صنعاً اذا كانت إجابتك هي “نعم”على هذه الأسئلة.
إن السبب وراء نجاحي يعود إلى حد كبير إلى الصفات التي غرسها فيّ والديّ، ولكن دعم زوجي المستمر هو ما هيأني لاستغلال الفرص وللنجاح في العمل! دعم ليس بالأقوال ولكن بالأفعال، ودعم متواصل يسمح لي بالتركيز على عملي وأنا مرتاحة ومطمئنة إلى أن عبء ومسؤوليات المنزل مشتركة فيما بيننا.
أنا ممتنة للشخص المجهول الذي سأل ذلك السؤال في المنتدى. لقد ساعدني على النظر إلى الأشياء من منظور مختلف تماماً. إن حديثي مع ولديّ الصغار أخذ منحى آخر بعد هذا الاكتشاف! جربي ذلك مع أولادك، وسوف تتفاجئين من كمية المعتقدات الخاطئة التي تكوّنت لدى الأولاد عن الفتيات وقدراتهن.
أخيرا، أود أعبر عن امتناني لأم زوجي. إن ما هو عليه اليوم لم يأت بمحض الصدفة، انما هو ثمرة جهد وعناء التربية الصالحة القائمة على المساواة في كل شيء. شكراً لك على إعطائي أعظم هدية تتمناها كل امرأة طموحة؛ زوج يقدر ويتفهم، ويساعد زوجته على تحقيق ذاتها وعلى التقدم على الدوام.
يمكنك قراءة الحلقة الثانية هنا