بقلم: جود سعد الدين.

رحلتي مع الحساسية كانت طويلة جداً ومتعبة.. كلفتني 20 عاماً من عمري وأنا أتخبط بين الأطباء والمشافي دون أن أحصل على أي إجابة أو تشخيص.. كنت أصارع المجهول على صغر سني.. وكل ما أردته فقط أن أعرف السبب.. إليكم قصتي..

بعد ولادتي بعدة أشهر، عندما بدأت أمي بإدخال العصائر والخضراوات المهروسة إلى نظامي الغذائي، لاحظت ظهور بعض الأعراض الغريبة علي، فكانت في كل مرة تجلسني فيها تلاحظ عدم قدرتي على حمل نفسي فإما أن أميل إلى اليمين أو اليسار 

لم تعرف حينها كيف تفسر الأمر فاعتقدت أنه أمر طبيعي وأنني كنت أعاني من النعاس بعد كل وجبة ليس أكثر!

من هنا بدأت معاناتي...

استمر هذا الحال وكبرت وبدأت أعي ما حولي، أذكر أنني منذ مرحلة الروضة إلى المدرسة وأنا أعاني من دوخة شديدة في رأسي خاصة عند الاستيقاظ من النوم، وكانت الرؤية لدي زائغة تتحرك في جميع الاتجاهات

بالإضافة إلى المغص الشديد الذي كنت أعاني منه، الذي كان أشبه بالضربات المتتابعة مع تهيج شديد في المعدة، وكأنه يصعد إلى رأسي ليسبب لي دواراً قوياً يدفعني للتقيؤ حتى تصبح معدتي فارغة تماماً.

كانت هذه الحالة تستمر ليومٍ كامل، اعتقدت أمي أن معدتي حساسة لا تتحمل الوجبات السريعة، وما حدث لي ليس سوى تسمم غذائي! فجعلتني أتوقف عن أكلها نهائياً.. لكن ذلك لم يجدِ نفعاً!

فقد استمرت الأعراض ولم تتحسن حالتي بعد ذلك، كنت أنام منذ الصباح وحتى المساء ولا أستيقظ إلا لأتقيأ أو لأزور الطبيب، فكل حركة أقوم بها كانت تشعرني بالدوار دون أن أجد أي تفسير يخرجني مما أنا فيه..

كنت أتساءل: لماذا تؤلمني معدتي؟ هل فعلاً تعرضت للتسمم مرة أخرى؟ لكن جميعنا تناولنا من نفس الطعام لماذا هذا الشعور بالدوخة والتقيؤ يصيبني أنا دون غيري في المنزل؟

وكانت أمي من شدة تقيؤي تأخذني إلى الطوارئ، حيث كانوا يجرون لي جميع الفحوصات هناك من قدمي وحتى رأسي، لتأتي بعد ذلك جميع النتائج سليمة! يعطونني بعدها محلولاً للجفاف ثم أعود إلى منزلي للنوم مجدداً..

تطورت الحالة فأصبحت تصيبني كل شهرين مرة، وبدأت أمي تظن أن ما هذا إلا دلع وأنني أتذرع بكل هذا لكي لا أذهب إلى المدرسة.

ولتثبت لي ذلك، في مرة من المرات أخذتني إلى الطبيب، الذي أكد كلامها بأنني لا أعاني من شيء وأنني ممثلة بارعة، حتى أنه كان يقول لي في كل مرة مرحباً: "أهلاً جاءت فاتن حمامة"، وطلب من والدتي أن ترافقني إلى المدرسة فلا بد أن هناك ما يزعجني فيها لأتخذ من المرض حجة للتغيب عن المدرسة.

وما زاد من قناعتها بهذا الأمر، أن ظهور الأعراض كان يتصادف مع أيام الامتحانات، فظنت أنني أفعل ذلك خوفاً من الامتحانات، لكنني كنت أشعر بكل هذه الأعراض فعلاً، لم أمثل شيئاً، وكان أصعب ما في الأمر أنني لا أجد جواباً شافياً لكل ما يصيبني! حتى أنني أجريت صورة رنين مغناطيسي لرأسي عدة مرات ولم تظهر شيئاً أيضاً!

ومع ازدياد حالتي الصحية سوءاً قررت أمي أن تضعني في مدرسة أخرى، وهذا ما حدث، انتقلت إلى مدرسة أخرى عام 2006، وبالفعل خف شعوري بالدوخة عن السابق بشكل كبير فأصبحت تأتيني كل أربعة أشهر مرة تقريباً، وهذا ما عزز من قناعة أمي بأن الطبيب كان على حق وأنني كنت أتظاهر بالمرض لكيلا أذهب إلى المدرسة، وأن نومي الطويل ما هو إلا دلع!

أما عندما كنت أمرض، فكان الطبيب يقول لنا في كل مرة أن هذا التهاب أو نزلة برد أو انفلونزا.. كل هذه الأسباب لم تقنعني.. كنت متأكد ان هناك شيء غريب أجهله يحدث في جسمي..  

لم يفهمني أحد فقررت علاج نفسي بنفسي!

إلى أن أصبحت في السادسة عشرة من عمري، فأصبحت الدوخة تأتي كل 9 أشهر تقريباً مرة، وأصبح الموضوع عادياً جداً أي أنني أصبحت لا أذهب إلى الطبيب، لأنني أعلم أنه يومٌ واحد ويمر.

بدأت بعد فترة أراقب أكلي، فكنت ألاحظ أنني أشعر بالدوخة مباشرة بعد أن أتناول الطعام الصيني والحلويات وجبنة الكشكوان والنودلز. لكني لم أعر الموضوع الكثير من الاهتمام.

وأذكر أنني في مرحلة الجامعة قرأت مقالاً عن الزنجبيل وكيف أنه يخفف من الشعور بالدوار، فصرت أتناوله بشكل مفرط.

كان ذلك بالتزامن مع اتباعي لنظام غذائي جديد لزيادة وزني فقد كنت أعاني من النحافة الشديدة، لكن النتائج كانت مفاجئة لي ولعائلتي!

فصرت أعاني من السمنة، ازداد وزني 12 كيلوغرام في شهر واحد! قررت بعد ذلك أن أتبع نظاماً صحياً وأن أمارس الرياضة لأتدارك ما حل في جسمي من زيادة في الوزن، لكن الملفت في الأمر هو أن زيادة الوزن لدي كانت أشبه بانتفاخات غير طبيعية..

استمر الوضع على هذا الحال حتى بدأت أشعر بتقلصات في معدتي، وصرت أعاني من صعوبة في التنفس، وفي كل مرة أتناول الطعام فيها أشعر وكانه يرتد عن معدتي لأعود إلى التقيؤ من جديد، وكأن هناك ما يغلق على صدري فيمنعني من التنفس.. كان الوضع مقلقاً جداً لي ولعائلتي، وكالعادة.. لا يوجد أي تفسير لكل هذا!

عانيت كثيراً، وفي كل يوم يمر كان يزداد وضعي سوءاً، لوني بدأ يميل إلى الاصفرار من قلة الأكل والتعب الشديد وكثرة التقيؤ، صار تركيزي أقل وامتنعت عن الذهاب إلى الجامعة، وعندما كنت أزور الطبيب كان يقول لي بأنه التهاب في المعدة!
 

فظننا أن الزنجبيل هو السبب وأنه هو الذي قام بحرق رأس معدتي، فتوقفت عن شرب الزنجبيل تماماً واتبعت حمية صحية من الطبيب، منعني فيها عن أي طعام مقلي وعن الوجبات السريعة والمشروبات الغازية، في ذلك الوقت لم أكن أتناول غير شوربة الخضار، وحتى عند تناولي إياها لا تبقى في معدتي لأكثر من 10 دقائق!

لم تعد معدتي تتحمل شيئاً حتى الماء! استمريت على هذه الحالة لـ 4 أشهر تقريباً.. ذهبت إلى عدة أطباء وأجريت عملية المنظار عدة مرات، وفي كل مرة نفس النتيجة أن هناك التهاب في المعدة.. ولكن دون أن أعرف السبب الحقيقي وراء ذلك!

وفي صباح شهر تشرين الثاني من سنة 2016.. كان خلاصي!

اتصلت خالتي التي تعيش في فلسطين بأمي وقالت لها أن هناك طبيب في مدينة نابلس قام بقراءة فحوصاتي ويريد رؤيتي، وبالفعل في فجر ذلك اليوم بالرغم من التعب الذي كنت أشعر به ذهبنا أنا وأمي إلى نابلس، وهناك أجريت عملية المنظار مجدداً لتتبين ذات النتيجة مرة أخرى أن هناك التهاب في المعدة..

قمنا باستشارة طبيب ثانٍ هناك، طلب مني إجراء صورة ملونة، وبعد أن أجريتها تبين سبب آخر..

جاءت أمي سعيدة لتخبرني أن الطبيب اتصل بها مؤكداً أن ما يسبب لي كل هذا هو المرارة، وأنه علي أن أذهب إلى المشفى بسرعة لاستئصالها فهي تكاد تنفجر!

جهزت نفسي للعملية وقبل ساعة من دخولي لغرفة العمليات، جاءت خالتي لتطلب إلغاء العملية بعد أن قامت باستشارة الطبيب الأول الذي قال بأنني لا أعاني من المرارة، وما يحدث هو أن أعضائي الداخلية منتفخة لسبب آخر!

وقد كانوا يطعمونني في المشفى طوال مدة انتظاري شوكولاته النوتيلا والماء كل ساعتين.. وفي كل مرة أتناولها كنت أشعر بمغص وتعب شديدين.. لم أكن أعلم حينها أنني أدخل الداء إلى جسدي بيدي!

في النهاية قررت أن أعود إلى الأردن، فقد أصابني اليأس من إيجاد التشخيص الصحيح لحالتي، وكان آخر ما قاله لي الأطباء أنني أعاني من مشاكل نفسية وبحاجة لطبيب نفسي.

لكن خالتي لم تيأس، فقررت في اللحظة الأخيرة قبل عودتي بساعة تقريباً إجراء فحوصات حساسية الطعام لي، فهذا كان آخر أمل لي!

وبعد عودتي بعدة أيام جاءتني أمي وعيناها مليئتان بالفرح، وقالت: "أخيرا تبين ما هو السبب! تبين أنك تعانين من حساسية الجزر والبندق".. نعم الحساسية فعلت بجسمي كل هذا.. وأخيراً تبين السبب الحقيقي!

الحساسية هي التي كانت تسبب لي الدوار في صغري، وهي التي قامت بإتلاف معدتي وسببت لي الالتهابات الشديدة، وسببت ذلك التهيج والانتفاخ في أعضاء جسمي ليظن الطبيب أنها المرارة!

طوال تلك الفترة كنت أتناول الشوكولاتة(التي تحتوي على البندق)  وخاصة النوتيلا بشكل مفرط، والجزر أيضاً، فقد كنت أعشق سلطة الكولسلو والكبسة والأكل الصيني وكلها أطعمة تحتوي على جزر..

والآن أصبحت أراقب أكلي وأعلم تماماً ما الذي يدخل إلى جسمي، وأراقب المكونات بدقة، وأتعامل مع الجزر والشوكولاتة على انهما عدوان لي! أكرههما بشدة ولا أرغب حتى بتذوقهما مرة أخرى في حياتي..

نصيحتي لكل مرضى الحساسية، أعراض حساسية الطعام تختلف من شخص إلى آخر ولكن مهما كانت بسيطة يجب التعامل معها على أنها شيء مؤذٍ عليكم التخلص منه نهائياً، وبالإرادة القوية لا شك تستطيعون فعل ذلك

اقرئي أيضاً: 

كل ما تحتاجين معرفته عن حساسية الطعام 
الفرق بين حساسيات الطعام وعدم القدرة على تحمل الطعام
نصائح عليك اتباعها عند إرسال طفلك الذي يعاني من حساسية الطعام إلى المدرسة
عشر نصائح تساعد على التأقلم مع حساسيات الطعام
كيف تعايشت مع حالة حساسية طفلتي للطعام
حساسية الحليب ومشتقاته