قصص أمهات
طفلتي العنيدة...كنز! كيف تعاملتُ معها؟
بقلم: باسنت إبراهيم تكبرين الآن يا فريدة، وتذهليني يومًا بعد الآخر بشخصيتك الجميلة العنيدة القوية. ستكملين عامان بعد عدة أسابيع، ولكن شخصيتك بدأت في الظهور والتبلور مبكراً جداً. آخر ما علّمتيني إياه، هو ألا أقبل المساومة أبدًا على حساب راحتي النفسية والجسدية وحقوقي المشروعة. منذ أيام وقعت في فخ مساومتك على قُبلة وحضن، وربما إنهاء طبقك كاملاً مقابل إعطائك حلوى أو لعبة أو أن آخذك في نزهة. وفي كل مرّة كنتِ ترفضين مساومتي، كنتِ تعلمينني درسًا جديدًا في الأمومة والحياة؛ حين أغريكِ بقطعة حلوى لأحصل على قُبلة فترفضين الحلوي والقبلة معًا.. ثم تعودين لتعطيني قبلة بعدها بقليل...قبلة محبة خالصة غير مشروطة. لديكِ مهارة عجيبة في التخلي عن الأشياء... مهارة تبهرني وأتمني أن أتقنها مثلك. وإن كنت أتيقن أنكِ ترثين مني العناد.
أن أكون أم عنيدة لطفلة عنيدة هو العذاب بذاته، أخبرتني أمي أن ابنتي نسخة مصغرة مني في طفولتي، إصراري على تنفيذ ما أريد وعدم تنازلي وعنادي في كل شيء، ورثته طفلتي فريدة وأصبحت تطبقه علي. علينا تبادل الأدوار الآن، وعليّ التخلي عن صفة العناد فيّ بسهولة والتحلي بالصبر والهدوء لاستطيع التعامل مع صغيرتي.
حين تبكي طفلتي الصغيرة رغبة في الحصول على شيء ضار، أخبرها برفق أنها ستؤذي نفسها وأحاول أن اشتت انتباهها بعيدًا واعطيها بديلاً يُليهها قليلاً، يمر الوقت ولكنها لا تنسى ولا تقل رغبتها في الحصول على غرضها ولا تتوقف وتقتنع، إلا حين تجرب وتخطئ فتبتعد وتتعلم، اسميها عنيدة. وتخبرني المواقف لاحقًا أنها طفلة قوية، ترغب في مزيد من التقدير والحديث والإقناع والتجربة لتتعلم، تخبرني المواقف أن فطرتها صحيحة وتحكماتي خاطئة. فقدت أعصابي أكثر من مرّة وصرخت وأصبت بالإحباط لأنني سأبدأ الحديث بالمنطق والإقناع مع صغيرة لا تتجاوز العامان ستفهمني مرة وتتجاهل حديثي مرات، هل يبدو الأمر مألوفًا للكثير من الأمهات هنا؟ هل يبدو الأمر مهلك نفسيًا؟
ولكن، هذه هي الحقيقة والطريقة الوحيدة للتعامل مع شخصية وطباع طفلتي التي لا تلتفت للصراخ أو العقاب أو المساومات، عندما تصر على الوصول لشيء أو فعل أمرًا ما، لا يردعها أحد سوى بالهدوء والتبرير والتجربة. مع الوقت حين قرأت أكثر وشاهدت العديد من الفيديوهات التي تتحدث عن شخصية الطفل العنيد وكيفية التعامل معه، أدركت كم أنا محظوظة وكم أن طفلتي هبة من الله بطبيعتها العنيدة جدًا. فعادت لي ضحكتي وهدوئي، وكففت عن الصراخ والانهيار. لدي الآن كنز!
الطفل العنيد، سيأخذ خطواته الأولى أسرع من أقرانه، وسينطق كلماته الأولى أبكر ممن في مثل عمره، وسيتعامل مع البيئة المحيطة به بوعي ناتج عن التجربة ومعرفة النتائج، في الأغلب ستجدينه قائد مجموعته في مراحل الدراسة، ولا تتوقعي أن يكون من رهاب المدرسة أو الحضانة أو الأشخاص بشكل عام، هو طفل اجتماعي من الطراز الأول.
هذا بالفعل ما يحدث مع صغيرتي حين بدأت معاملتها بهدوء وتحاور ورفق، لاحظت أنها تفرض احترامها على الجميع وكأنها فتاة كبيرة، تشجع نفسها بنفسها دائما دون أن يفعل أحد، قائدة في وسط أقرانها، وتحفزهم على اللعب معها ولا تنساق وراء طفل أخر دون تفكير فيما يفعله. تفعل الشيء وتنظر في عيني بصدق، إذا كان خاطئًا أو صوابًا. وكأنها تقول "أنا فعلت وسأتحمل نتيجة ما فعلت"!، مع الوقت أصبحت تعتذر عن الخطأ وتعطيني قبلة وعناق وتصلح ما فعلت. اكتشفت في طفلتي العنيدة جانب كبير من العطف والرفق والحنان لم أكن أتخيله، هي لا تتنازل عن حقها ولا تترك ما تصر عليه، ولكنها لا تأخذ حقوق أحد أو تطمع فيما لدى الأخرين، لا مانع لديها من المشاركة طالما الكل متساو.. أليست شخصية رائعة؟ تقول الدراسات الحديثة عن شخصيات الأطفال الصغار، أن الأطفال اللذين تبرز لديهم سمات العناد والإصرار والجدال منذ الصغر، هم أطفال محظوظون ومشروع شخصيات قيادية ناجحة على كل المستويات. هؤلاء الأطفال عادة لا ينساقون وراء أصدقاء السوء في مرحلة المراهقة، وهم الأكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة لاحقًا، ولا يقدمون على فعل دون حساب عواقبه، وسيكبرون لديهم شخصية قوية مستقلة. لا يستسلمون بسهولة للفشل والإحباط. أيضًا هم شخصيات حماسية للغاية ولا ينضب نهر إبداعهم وخيالهم، لديهم دائمًا لكل مشكلة حل وإن لم يجدوا سيبتكرون الحلول.
كل ما سبق ينبئ بطفل رائع، ولكن يمكن أن ينقلب كل ذلك للعكس إذ تربى الطفل العنيد بالصراخ والضرب والإهانة والإجبار والقهر، سيتحول لشخصية عنيفة ومندفعة وسيئة الطباع، ومتنمر وسيئ السلوك، طفل انطوائي ليس لديه مهارات اجتماعية، وليس لديه ثقة في نفسه.
كيف يمكنك التعامل مع عناد الاطفال؟
الحل مع الطفل العنيد هو الصبر والتحاور بالمنطق والنقاش والاحترام والاحتواء بالحب والعناق والتقدير، ثقي أنه كلما كبر بهذه الطريقة ستبهرك شخصيته لاحقًا، وربما تلجئين له في حل مشكلاتك أو على الأقل في إيجاد حلول مبتكرة سريعة لها. تربية طفل عنيد ليست بالأمر السهل، في الحقيقة أنتِ تربين نفسك وتهذبين طباعك معه من أول وجديد، ولكن حين تملين وتفقدين صبرك. تذكري أنكِ تربين طفل مميز جدًا، تربين قائد شجاع ذو شخصية مستقلة رائعة. تذكري أنكِ تمتلكين كنز حقيقي...يجب الحفاظ عليه من خدوش التربية الخاطئة.